محمد بن فهد العمران
منذ اكتشاف النفط في المملكة قبل أكثر من 70 عاماً، كانت الأجيال السابقة من الشباب السعودي لا تواجه أي مشكلة على الإطلاق في الحصول على الوظائف سواء كانت في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص أو في تأسيس الأعمال التجارية الخاصة بهم، بل وكان يتم توفير الوظائف لبعضهم حتى قبل أن يتخرج من الجامعة أو الثانوية أو حتى المتوسطة ودون النظر إلى مستواه العلمي، حيث كان ذلك مألوفاً جداً حتى بداية الثمانينيات الميلادية في قطاعات حكومية مهمة وشركات مساهمة عملاقة، فيما لم يشكل «التوظيف» أي قلق يُذكر بين أوساط الشباب السعودي طوال تلك الفترة.
ومع بداية التسعينيات الميلادية والألفية الجديدة، أصبحوا يواجهون مصاعب في الحصول على الوظائف الحكومية بينما كانت الفرص متاحة أمامهم للحصول على الوظائف في القطاع الخاص وفي تأسيس الأعمال التجارية وإن كان بوتيرة أقل من السابق وبشروط أصعب من حيث مستوى الدخل أو المجال الوظيفي أو الموقع الجغرافي. وخلال هذه الفترة بدأ الشباب السعودي يشعرون بالقلق لأول مرة تجاه حقهم في الحصول على وظائف ملائمة، فيما أصبحت الحكومة تعتمد على القطاع الخاص بشكل شبه كامل في موضوع خلق الوظائف على الرغم من محاولاتها الخجولة في خلق بطالة مقنعة داخل الجهاز الحكومي من خلال ما كان يُعرف حينها بـ «بند الأجور» والذي ثبت فشله لاحقاً!!
لكن في هذه الأوقات أصبح جلياً لنا أن الشباب السعودي أصبح يواجه مصاعب حقيقية في الحصول على وظائف في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص أو حتى في تأسيس الأعمال التجارية، والخطير في الأمر أننا عندما نتحدث مع المراهقين منهم عن طموحاتهم الشخصية في الحصول على وظيفة أو شراء سيارة أو الزواج أو حتى شراء منزل فإننا حتماً سنسمع من غالبيتهم ردود أفعال سلبية تجاه المجتمع والوضع الاقتصادي، وسندرك جيداً بأن مستقبلهم أكثر صعوبة من مستقبل الأجيال السابقة، مما يعني أنهم باتوا يشكلون الآن قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت مستقبلاً إذا لم يتم تحقيق طموحاتهم بالشكل المطلوب، خصوصاً أنهم يشكلون أكبر شريحة من شرائح المجتمع (على الأقل للعشرين عاماً القادمة).
المشكلة أن الجيل الجديد من الشباب السعودي أكثر وعياً وذكاءً من الأجيال السابقة، فمثلاً هم يعلمون جيداً أنهم يدرسون في الجامعات بينما في الوقت نفسه مسجلون كموظفين وهميين (لفترة زمنية قصيرة) في شركات خاصة تدفع لهم رواتب دون أدنى جهد منهم، ويعلمون أن الحكومة تعلم ذلك ولن تفعل لهم شيئاً، ويعلمون أنهم الملجأ الحقيقي للقطاع الخاص للالتزام ببرنامج نطاقات!!! وفي السياق نفسه، يعلمون أنهم يشكلون ثقلاً كبيراً في المجتمع السعودي، ويعلمون أنهم يشكلون خطراً حقيقياً في المستقبل في حال عدم توفير وظائف لهم، ويعلمون العوامل المؤثرة في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية في أي دولة، والأهم أنهم يعلمون بوجود الفساد وتغلغله في المجتمع!!!
في عصر الشفافية والانفتاح الإعلامي الذي نعيشه اليوم، لقد أصبح التعامل مع قضايا الشباب السعودي بشكل مكشوف أمام الجميع، ولا أعتقد أن هناك مجالاً للهروب من مواجهة الحقيقة أو التعامل مع قضاياهم خلف الكواليس (كما كنا سابقاً). ومن هنا تأتي مسؤوليتنا جميعاً لمعالجة الملفات الساخنة المتعلقة بمحاربة الفساد، والإصلاح الاقتصادي الشامل، وتطوير سوق العمل بأسرع وقت ممكن لتحقيق الحد الأدنى من طموحات شبابنا، آخذين في الاعتبار أن قضايا الشباب في أي دولة في العالم أصبحت الآن أهم وأخطر القضايا على الإطلاق من المنظور السياسي والاقتصادي والاجتماعي.