د. خيرية السقاف
بعض القصص في خيالها تستلهم واقع البشر، ففي قصة فِلْم «كيف تدرب تنينك» يتمثل لك الإنسان، بخوفه، برغبته في الاستحواذ على الأرض، بسعيه لإبادة ما غيره من الكائنات، بتسلُّطه وجبروته، بإعمال عقله في التفكير في الحلول الكيدية، بتركيزه على التفرد، وإعداده لوسائل الفتك.. وبتخطيطه للقضاء على النوع الثاني الذي يعيش في حيزه المكاني وهو التنين بأنواعه وأشكاله وألوانه وقدراته وسماته، تلك التي اخترعها الفكر البشري من أجل أن يفضح جانب الشر في أخيه الإنسان، بينما جعل التنين بكل ما أوتي من قوة خارقة، وقدرة فتاكة، وسعة في الحركة، واستطاعة في اختراق المعجز من البحور، والجبال، والنار، والكهوف، والضباب، والدوامات، قابلاً للتطويع، وقادراً أن يغير شيئاً من طباعه ليكون مسالماً، ومنقذاً، وأميناً..!!
«هيكاب» فتى نحيل مختلف في تكوينه الجسدي عن أبيه، وقومه، المقاتلين الأفذاذ، ضخام الأجساد، شديدي الغضب، مفتولي الشوارب، المتأهبين يومياً بالتدريب لمحاربة سكان المنطقة من مختلف أنواع التنين الزاحف والطائر والسابح، ذي المخالب السامة، والنفث الناري، والصوت الصاعق، والأسنان الفاتكة، والأقدام المدمرة، والمخالب السامة، لكنه يبقى موضع سخرية من المحاربين الآخرين ممن في عمره، وسواهم، إذ كلما تقدموا جميعهم للتدريب من أجل اكتساب الخبرة في كيفية القضاء على عدوهم التنين إعداداً للمعركة الكبرى للقضاء عليهم ، ذهب هو يرقب الموقف من شقوق الأبواب رافضاً محاربتهم، والاشتراك في القضاء عليهم مع قومه، بينما قومه وعلى رأسهم والده لا يشركونه لعدم ثقتهم في أهليته ليخوض معهم محاربة التنين لأنه صاحب جسد نحيل، بينما لا يعلمون بأنه صاحب نفس قوية، وعقل راجح، وقلب طيب، إلى أن عثر «هيكاب» يوماً وهو يبتعد عن أبيه على تنين أسود قد قيدوه بسلاسل من حديد انتظاراً لقتله، وبدل أن يطعنه وهو مقيد بسكينه، فك إساره، وقدم له سمكة ليأكلها مع خوفه الشديد منه، وتوجس التنين أيضاً في الوقت نفسه منه، لكنه ذهب يغادر المكان دون أن يؤذي «هيكاب»،
وفي خفية من أبيه يخترع هذا الفتى من الأجنحة، والزوادات ما يمكِّنه صديقه التنين فيما بعد من إضافتها إلى جسده ليتثبت بها ، ليطير به نحو موقع خلية قومه الذين في البدء حاولوا إيذاء «هيكاب» لكنه ينقذه، ومن ثم يؤكد لهم حسن نيته، لأنّ صديقه الفتى «هيكاب» أخذ يطعم كل تنين يقترب منه نوعاً من السمك يحبه..!
القصة تنتهي بنصره على حقد قومه وعدائهم لكل تنين، فيحقق لهم سلام قبيلة المخلوقات الفتاكة بأنواعها، ليصبحوا من أجله دروعاً لأبيه، وقبيلته، يتعايشون معاً بسلام...
تمنيت بعد أن انتهى فلم «هيكاب» - كيف تدرب تنينك - مخترع الوسيلة، ومحقق السلام، أنّ سلامه يصبح حقيقة فينزل برداً على بقاع الأرض حيث التنين، والإنسان يتحاربان في العالم..
إنّ المفارقة الجلية هي أنّ من يكتبون هذه القصص، من يقدمونها في أفلام عالمية هم من أقوام تؤجج النار، وتفتك بالإنسان..
هم لا يخترعون التنين الفاتك من خيال، ولا يصورون عالماً يدمره كقصص عابرة، إنما هم يخرجون ما في باطنهم وهو ما يحدث الآن على الأرض في شتى بقاعها...
على أنّ فيهم «هايكاب» المسالم الوحيد، الهزيل، لكنه القوي الذي أنقذهم،
وعمّم عليهم الأمان..!!
ولسوف ينتصر الخير.. ولسوف تزدهي بزهور الياسمين الأرض، وينعم البشر بالشذى.