د. صالح بكر الطيار
يمثل القانون الركيزة الأساسية والبيئة المثلى لمواجهة الأخطاء وتنفيذ النظام واللوائح وفق منهج أساسي وفي بلادنا التي تحكم بالشرع الإسلامي القويم يعد القانون التشريع الذي يسهم في تطبيق النظام وفق ما أمرت به الشريعة الإسلامية يعد الفساد من أهم الأمور التي تسببت في عرقلة التنمية وفي تأخر المشاريع وفي وجود بيئة الأخطاء لذا فإن للقانون كلمته في مواجهة هذا الداء الخطير الذي يشوه ملامح النماء ويؤخر أهداف التخطيط وقد رأينا ولمسنا توظيف القانون في أحكام قضائية متعددة في قضايا فساد تم الكشف عنها في السنوات الأخيرة مثل سيول جدة وأيضا بعض الأحكام التي اتخذت حيال قضايا فساد في عدد من الوزارات وضد بعض المسؤولين الذين خانوا أمانة المنصب وأخلوا بالثقة في مسؤوليتهم.
ما أود التركيز عليه في مقالي أن للقانون كلمته في قضايا الفساد المختلفة وللقانون أيضا أهميته في درء مخططات الفساد قبل وقوعها من خلال تفعيل الأنظمة القانونية المتعلقة بحماية مال الدولة ومنع التلاعب واستغلال النفوذ وسوء استخدام السلطة فلو وجدت إدارات قانونية في وزارات الدولة أو وجود محامين ومستشارين على كفاءة عالية في إدارات المتابعة في الوزارات لقلت مساحة الفساد في تلك الوزارات ولتم تحجيم عدد القضايا السنوية التي يتم رصدها بين عام وآخر إضافة إلى أهمية استعانة هيئة مكافحة الفساد بقانونين وخبراء في القانون وذلك لتوظيف أهدافها وصلاحياتها بشكل أوسع في حين أهمية وضرورة توظيف ثقافة القانون في الوزارات وفي القطاعات التي تعمل تحت مظلة الوزارات من خلال وضع محاضرات توعوية وتثقيفية دائمة حول أهمية الالتزام بالأنظمة ومخاطر التعدي على المال العام وسلبيات وتداعيات جرائم الفساد وما يترتب عليها وربط ذلك بتفعيل دور إدارات المتابعة في الوزارات المختلفة وأهمية استحداث إدارات قانونية متفرعة من تلك الإدارات تقوم برصد ومتابعة القضايا بشكل نزيه وموضوعي وأهمية أن توجد هيئة مكافحة الفساد مندوب في الوزارات الخدمية لمتابعة ملفات المشاريع والميزانيات وحصص التنمية ومتابعة تأخير المشاريع من خلال رصد مستديم لواقع العمل والمصروفات والإيرادات وبنود الصرف في تلك الوزارات .وأيضا وجود قانونين محترفين متخصصين بمتابعة ملف تأخير المشاريع التنموية ومحاسبة المقاولين الذين تساهلوا في تنفيذ بنود عقود المشاريع لعدم وجود رؤية قانونية واضحة في محاسبتهم والاعتماد على وقف المشروع واستبدال المقاول بآخر مما جعل المقاولين يتمادون في أخطائهم نظرا لعدم وجود قانون مشرع لعقابهم في أصول هذه العقود المبرمة أو عدم تطبيق القانون بشكل تفصيلي الأمر الذي جعل الأخطاء متلاحقة ومتواصلة في هذا الملف الشائك الذي أخّر التنمية.
إن وجود مثل هذا التفاعل المؤسساتي في تطبيق الأنظمة وربط مؤسسات الدولة قانونيا من خلال إدارات تطبيق القانون وتوظيف الثقافة القانونية في الالتزام وفي عواقب عدم التقيد بالأنظمة من شأنه أن يوفر للدولة خطة إستراتيجية وصورة مستقبلية للقضاء على الفساد تدريجيا وسيوظف ثقافة القانون التي كان غيابها أحد أسباب تفشي صور الفساد وتأخير المشاريع .لذا أرى أن تدرس الوزارات وخصوصا الخدمية إعادة هيكلة إدارات المتابعة لديها وضرورة وجود قانونين على كفاءة عالية فيها والتعاون مع نزاهة بشكل مؤسساتي في توظيف ثقافة القانون واتخاذه إداة أولى في الحساب والعقاب وفي تطبيق عقود العمل وفي توظيف خطط الدولة وصولا إلى تنفيذ استراتيجية مكافحة الفساد بشكل دقيق ووقف الفساد في مراحلة الأولى ومنع أي أخطاء أو خلل في ملف التنمية فالدولة تصرف المليارات سنويا والخطط موضوعة ولكن الفساد ينهش جسد التنمية ولا بد من خطط كفيلة لمنعه والقضاء عليه وفق منهجية نظامية وقانونية على أسس موضوعية وعلمية وأرى أنه من الضرورة تعزيز مفهوم الردع العام المتمثل في النشر في وسائل الإعلام للأحكام النهائية الصادرة ضد المفسدين والمتورطين في عمليات الفساد أيا كانت صفته الوظيفية أو الاجتماعية ولايكتفى بالعبارات المبهمة (مسؤول سابق - رجل أعمال -مدير عام ...) لكي يتحقق الهدف من الردع والعقاب لأن التشهير وسيلة من وسائل العقاب في كافة النظم القضائية ليرتدع كل من تسول له نفسه بأنه سيفضح وسط أهله ومجتمعه ولايؤخذ في الحق لومة لائم ...أعلم أن ولاة الأمر ونظامنا القضائي يحاولون حماية أسرة ومجتمع الفاسد من التشهير به تمشيا مع مبدأ (ولا تزر وازرة وزرأخرى)...فإذا كان المعني بالأمر رضي على نفسه وأهله المال الحرام فالأولى أن لانقيم لشخصية المجرم أي اعتبار.