د. فوزية البكر
لماذا يجب على الوالدين العناية بإلحاق أبنائهما ببرامج النشاطات اللاصفية والتي يجب أن توفرها المدرسة وإذا لم توفرها فيجب البحث عنها مثل كرة القدم أو السلة أو النشاطات الفنية كالتصوير وتعلم الموسيقى أو تعلم الفيزياء وإجراء التجارب العلمية أو السباحة أو التايكوندو أو التطوع وتعلم كيفية تنظيم توزيع الإعانات وإدارتها على الأرض خاصة حين تكون عينية, الخ من النشاطات البدنية والذهنية والاجتماعية التي يجب أن تكون متوفرة للتلاميذ كباراً وصغاراً؟.
لماذا؟ لأنها إحدى الوسائل الأساسية التي استخدمتها المجتمعات الإنسانية عبر قرون لحماية النشء من المشكلات المختلقة عبر تفريغ طاقاتهم في مراحل نموهم المختلفة بطرق إيجابية ومقبولة اجتماعياً وثقافياً بما يحقق نوعاً من التوازن في حياتهم.
إدخال هذه الأنشطة في المدارس العامة سيساعد على تخليص أبنائنا من إدمان الكمبيوتر الذي يمارسون العبث على شاشاته المتعددة من ألعاب وجوال وتلفزيون أربع ساعات يومياً أو أكثر كما أظهرت الدراسات! هذه الأنشطة ستحميهم من الشراهة في الأكل وسترغمهم على التواصل اللفظي والاجتماعي مع الآخرين والذي يفتقدونه الآن بعزلتهم في غرف أو ملاحق موحشة يمارسون فيها ألعاباً خطرة تحوي مشاهد عنف وجنس لا تصلح حتى للكبار بحيث تهدد لغتهم ومعتقداتهم بل وفي بعض الأحيان تكون هذه الألعاب طريقاً سهلاً كي يتسلل منه المجرمون والمنحرفون إلى شبابنا إما بالمخدرات أو الإرهاب. أطفالنا وشبابنا يرون العالم من حولهم وهم يجوبون العالم بضغطة إصبع ومع ذلك لا يجدون من يتحدث معهم بلغة يفهمونها. لديهم الأحلام والآمال والمثل العليا ولا يسمعون حولهم إلا أصداء الحروب والقلق والغرق لمهاجري سوريا فكيف لهم أن يهربوا من ذلك؟.
علينا أن نكون أكثر واقعية وننزل إلى أرضهم ونشاركهم ألعابهم واهتماماتهم وستدهشنا المسافة القائمة بين معارفنا وعاداتنا وبين ما يعيشونه ويتوقعونه ويتابعونه على اليوتيوب. هناك فاصل زمني ومعلوماتي وتكنولوجي بين الأجيال وأكثر من يلمسه الآباء والمعلمون وعلينا أن نحاول ردم المسافات وتجسير الطريق إلى قلوبهم وعقولهم بتوفير بعض ما يشغلهم بشكل صحي.
الأنشطة الرياضية والفنية والأدبية والفلسفية طريق آمن استخدمته الأمم من قبلنا وساعد على منح الأجيال أشكالا أفضل للتنفيس عن خيباتها وقلقها وتحمل التغيرات الذهنية والجسدية التي تمر بها فلماذا نتجاهل هذا المخرج أفراداً وأمة؟.
وزارة التربية والتعليم تتحمل المسئولية الكبرى في توفير هذه الأنشطة لكنها وبالعقلية التي حكمت هذه المؤسسة لسنوات وبضعف الإمكانات المادية المتوفرة حالياً سيصعب عليها توفير البنية التحتية وبناء الأنظمة وتوفير السواعد العاملة والكوادر الإدارية والفنية المؤهلة وهو ما سيتطلب الكثير فما العمل ؟
المجتمع موجود وعلينا فقط أن نستحثه بخطط واضحة ونمكنه عبر التخفيف من البيروقراطية المكبلة من أن يساهم في بناء البنية التحتية لهذه الأنشطة وتوفير الكوادر عبر استحثاث مفاهيم المسئولية الاجتماعية بين تجارنا وبنوكنا ومؤسساتنا وكما في كل بلدان العالم من خلال تقديم أنظمة وتشريعات واضحة وسهلة وغير مركزية تماهي ما في القطاع الخاص..
لماذا تبدو مهمة المدرسة ثقيلة وأساسية ليس في مدينة الرياض أو جدة أو الخبر حيث تقع المدن الحضرية بل حيث الأحياء الفقيرة والجنوبية من هذه المدن الكبيرة ثم المناطق النائية والقرى الصغيرة حيث يحتاج الطالب والمعلم إلى ساعات في قيادة صعبة للوصول إلى المدرسة.
الأكثر أهمية والذين يجب أن نوجه لهم عنايتنا هم الأطفال الفقراء في كل مدينة وقرية وهجر نائية وهم من يسمونهم في المجال التربوي بالمتساقطين من النظام حيث يميل هؤلاء التلاميذ بسبب ضعف الإمكانات المدرسية وضعف عمليات التعلم والتعليم وفقر البيئة العائلية والثقافية المحيطة بهم إلى مغادرة المدرسة مبكراً فيتسربون من المنظمة التعليمية إلى الشارع.. إلى الجريمة والمخدرات وحالياً إلى الإرهاب.
من المهم جداً نشر ثقافة الأنشطة في المنظمات التعليمية واعتبارها جزءاً أساسيا من النظام التعليمي وليس كما ينظر لها المعلمون والإداريون في مدارسنا بأنها (أنشطة لا صفية) لا درجات عليها ولا يلام الطالب في عدم المشاركة فيها وبهذا فإن توفرها المدرسة عبر الوزارة أو لا أمر ليس بالهام فما يتطلبه نظام تعليم حجري هو إتمام المنهج الدراسي الذي أقرته الوزارة. لكن كيف تم إنهاؤه؟ المهم هي الصفحات يجب أن تنتهي في هذا الكتاب العتيق! ثم الامتحانات الشكلية لرصد الدرجات في هذه الشهادات المتخمة بالدرجات في حين يعجز طالب المتوسط أو الثانوية عن تذكر حقائق علمية أو جغرافية أو رياضية أو لغوية تعتبر معلومات أساسية لدى طلاب أنظمة تعليمية أخرى.
وزارة التعليم المثقلة بالملايين من التلاميذ والمعلمين والإداريين ربما لا تكون قادرة على تحقيق توقعاتنا المتواضعة لتحسين ما يجري في سجن المدرسة الكبير لكن عليها أن تخفف من عشقها السعودي المفرط للبيروقراطية المدمرة بقبول منح الصلاحيات للمناطق والإدارات المحلية كما عليها أن تستعين بأجهزة الدولة النشطة في مجال الشباب مثل الرئاسة العامة لرعاية الشباب بقيادة أميرها المثقف عبدالله بن مساعد والذي من الواضح أنه يمتلك رؤى متقدمة وواضحة فيما يخص عمله وبقي على وزارة التعليم أن تجره إلى مجالها المدرسي.
كذلك يمكن الاستعانة بمنشآت المؤسسات الحكومية الأخرى مثل البلديات وأمانات المناطق التي تسعى جاهدة لتحسين مدنها فلماذا لا يتم التنسيق معها؟ وأخيراً وليس آخراً يبقى رجال الأعمال والبنوك والشركات وضمن مسئولياتها الاجتماعية موكلة بتوفير بعض ما استمتعوا به لسنوات من خلال المشاركة الجادة في بناء المنشآت الرياضية والفنية والمسرحية خاصة في المدارس الحكومية.