هاني سالم مسهور
قبيل اكتمال الذكرى الأولى على انطلاق عملية «عاصفة الحزم» كانت الأنباء تأتي من عموم اليمن عبر نشرات الأخبار بتساقط المدن تلو الأخرى، أولئك الزاحفون من أعلى جبال مران في صعدة عبروا كل ما يعترضهم، من دماج إلى عمران فأرحب فالعاصمة صنعاء، وهكذا توالت المدن تتساقط، والمساجد تتفجر، والرجال تُهان، بلغت القلوب الحناجر، لم نكن نرى سوى تلك المشاهد المرعبة التي استعادتها ذاكرتنا عندما اجتاحت قوات المخلوع علي عبدالله صالح مدينة عدن في السابع من يوليو 1994م، صورة الجندي الذي يحمل الميزان على كتفه بعد أن سقطت عدن واجتاحها المخلوع صالح كانت أكثر ما نستحضره مع توالي الأنباء عن مواجهات اللجان الشعبية مع طلائع الحوثيين الذين وصلوا إلى تخوم عدن يريدون إلقاء القبض على رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي.
عند معسكر الصولبان صمدت بقايا اللجان الشعبية في دفاعها المستميت أمام جحافل القتل القادمة من صعدة، أُعلن عن اعتقال وزير الدفاع محمود الصبيحي، العشرات قتلوا عند حدود العاصمة العربية الخامسة التي تريد طهران إخضاعها في إطار مشروعها التوسعي، سبق أن سقطت بغداد ودمشق و بيروت وتبجح الإيرانيون بإسقاطهم صنعاء وهم على تخوم عدن، وعلى ما تبقى من رصيد زهيد للأمن القومي العربي عند باب المندب، كان اليأس قد بلغ ذروته، وكان على الجميع انتظار سقوط عدن.
في هذه الأثناء كانت الرياض تشهد بشكل يومي استقبالات لملوك ورؤساء العالم، فمنذ أن بايعت السعودية سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملكاً عليها لم تتوقف استقبالاته على أعلى المستويات، حتى تصدرت عناوين النشرات الاخبارية قمة «قصر العوجا» حين اجتمع الملك سلمان بزعماء الخليج، ويقرر عقد لواء معركة لم تكن في حسبان عدو أو صديق.
فجر الخميس السادس والعشرين من آذار / مارس 2015م يعلن الملك سلمان آل سعود ميلاد مرحلة من تاريخ الشرق الأوسط، انطلقت «عاصفة الحزم» بتوجيه ضربات جوية على مليشيات الحوثيين وشريكهم المخلوع صالح في عدن وصنعاء، كان حزم الملك سلمان حاسماً، وكان رد ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لنجل المخلوع أحمد علي عبدالله صالح قاطعاً «عدن خط أحمر»، فوصل الرئيس عبدربه منصور هادي إلى الرياض التي استجابت لندائه وتبدأ مرحلة أخرى من تاريخ المنطقة بل والعالم كله مع عزم سلمان وحزم الرياض.
شكل صمود المقاومة الجنوبية أحد أهم المحاور الرئيسية في العملية العسكرية، تلك المقاومة التي كان عليها أن تكون ذراعاً من أذرع القوة لهزيمة الحوثيين الذين لم يجدوا أمامهم في عدن والضالع ولحج وأبين وتعز سوى ضرب المباني السكنية في محاولة لكسر إرادة الناس عن مقاومتهم، هذا هو العنصر القذر الذي استخدمته هذه المليشيات الاجرامية، قتل المدنيين وتجويعهم كانت استراتيجيتهم في معركة لم تجد فيها المقاومة بُداً سوى المواجهة مع جماعة أرادت خطف عدن وإلحاقها بعواصم العرب.
كان الامتياز السعودي في القيمة الانسانية التي قدمتها درساً للعالم عندما أعلنت في 21 ابريل 2015م عن عملية « إعادة الأمل « والتي شملت استئناف العملية السياسية في اليمن وفقاً لقرار مجلس الأمن 2216، واستمرار حماية المدنيين من هجمات مليشيات الحوثيين، وإجلاء الرعايا الأجانب من اليمن، وتكثيف المساعدات الاغاثية للشعب اليمني في المناطق المتضررة، واستمرار فرض الحظر الجوي والبري والقيام بأعمال التفتيش لمنع تسليح الحوثيين تنفيذًا لقرار الأمم المتحدة، هذا واحد من أهم المنعطفات الاخلاقية في الحرب، وهذا جزء من القيم والمبادئ السعودية التي تلتزم دائماً بها.
هذه هي الذكرى الأولى لـ«عاصفة الحزم» التي غيرت موازين القوة على صعيد العالم، ولم تعد لقوى الشر التي ترعاها إيران تك المساحة التي تمارس فيها العربدة لتحقيق توسعها الطائفي عبر الفوضى التي أغرقت فيها عدداً من العواصم العربية، الذكرى الأولى في «عاصفة الحزم» تشكل منعطفاً آخر لدى اليمنيين الذين اتاحت لهم هذه العملية العسكرية الفاصلة فرصة أخرى للتغيير وتصحيح مسارات تاريخ اليمن السياسي المعاصر، والتفاعل الايجابي مع واقع شبه الجزيرة العربية التي تحتل المملكة جزأها الجغرافي الأوسع والذي تمثل فيه التحدي الأهم على صعيد التوازنات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وهذا ما على اليمنيين أن ينظروا إليه بمسؤولية ليستشعروا حجم الدور الذي عليهم أن يقدموه لدول الجزيرة العربية، فالتجربة برغم قساوتها وتضحياتها فهي تجربة يجب أن تشجع الشعوب للنهوض وإسناد القيادة السعودية ملكاً وحكومةً وشعباً، فهذه الشعوب العربية باتت اليوم وبعد «عاصفة الحزم» وإسقاط المشروع الإيراني تشعر أكثر من أي وقت مضى بأهمية ما تقدمه الرياض من خلال قيادتها وحكمتها وحزمها وعزمها.