د. محمد عبدالله الخازم
يترافع في محاكمنا نوعان من المحامين. الأول هو الدعوجي، وهذا النوع قد يكون لديه بعض المعرفة الشرعية ولكن الأهم من ذلك هو قدرته على الجدال والمحاججة ورفع الصوت أحياناً. تأثيره في محاكمنا ملموس وبالذات في بعض القضايا، كالقضايا الشخصية، ويزداد تأثيره عندما يكتسب المظهر المناسب كأن يربي اللحية ويستخدم العبارات الوعظية والدينية وغير ذلك.
النوع الثاني هو المحامي الذي درس القانون ويناقش بالحجج القانونية والتنظيمية ويكتب مرافعاته وفق صيغ محكمة في التعبير القانوني، إلخ. للأسف أن الدعوجي وبسبب السمات الظاهرة له يكسب قلوب القضاة بشكل أكبر في بعض الحالات وخصوصاً لمن لديهم موقف مسبق أو نفور من هولاء القانونيين المتعلمين تعليماً مدنياً ويحلقون لحاهم في بعض الحالات. طبعاً لا يمنع وجود قانوني دعوجي والعكس..
نأتي الآن على الكتاب، أنا أحدهم ، أراه يمكن تصنيفهم إلى كاتب دعوجي وكاتب محام، وقد قاربت التشبيه من باب الدعابة. نحسن الظن بالجميع وكل يدافع عن قضايا هي محل قناعته، سواء كانت في تمثيل الجمهور كما يتم في المحاكم من تمثيل للمتهم في القضايا محل النزاع أو الدفاع عن مواقف وأراء محددة...
الكاتب الدعوجي، وسيلته في التأثير على الجمهور هي المبالغة في التقريع وفي التشبيه وفي دغدغة مشاعر القارئ. بمعنى آخر يستخدم لغة انفعالية تستفز المعني بالموضوع وتكسب الجمهور، دون أن تحفل كثيراً بالعلمية والموضوعية في الأحكام، ولا يحفل بالقراءة المتعددة والمحايدة للمشهد الذي يتناوله. على سبيل المثال تجده يصرخ «يا مدير البلدية لماذا شارع الأربعين مليء بالحفر، ما هذه الفوضى، ألم تزر دبي والدوحة لتتعلم منهم، أين ذهبت الملايين، ألا تستحي مما يحدث. أين أنت يا معالي الوزير ألم يحن الأوان لكف يد المقصرين...» هذا الكاتب يكسب عطف الجمهور وبالذات المتضررين من حفر الشوارع والمتذمرين من البلدية لأسباب مختلفة، وسيتم استضافته في برنامج ياهلا وبدرية والمرصد وغيرها من البرنامج التي تعيش على فتات الصحافة.
الكاتب المحامي له الهدف نفسه، المتعلق بالإصلاح لكنه يطرح رأيه بهدوء، يناقش الموضوع من جوانب تنظيمية ويبحث في الأسباب ويطرح رأيه بشكل معتدل ومحايد بعيداً عن تجريح الأشخاص والنيل من شخوصهم. على سبيل المثال وفي الموضوع نفسه سنجده يكتب «لقد اتضح أن شارع الأربعين مليء بالحفر، وذلك بسبب عدم إتمام شركة المياة وشركة الهاتف مهامهما في صيانة الشارع بالشكل الكاف بعد إنهاء أعمالهم. ومع تقديرنا لهم فإننا نرى بأهمية التنسيق والتأكيد على عدم تسلم المشروع من تلك الشركات قبل تأكيد البلدية على قيام الشركة بإصلاح الشارع كما كان قبل بدء مشروع المياه المشار إليه أو أي مشروع آخر له علاقة بالشارع، حيث يبدو أن ذلك لا يحدث في الوقت الراهن بسبب عدم وجود التنسيق المشار إليه وعدم الرجوع للبلدية أو تقصير البلدية في المتابعة لمهامها في هذا الشأن»
الكاتب المحامي طرح القضية نفسها لكنه تفهم السبب قبل مهاجمة مدير البلدية واقترح رأياً أو حلاً إدارياً أو تنظيمياً للمشكلة، إلخ. طبعاً الجمهور لم يحب الكاتب المحام بالشكل الكاف، كما هو القاضي الذي ينفر من المحامين القانويين، لأنهم باردون يتكلمون بلغة قانوينة وليسوا دعوجيين يؤثرون بهديرهم وسماتهم الدينية. الكاتب المحامي لم يشتم مدير البلدية ولم يطالب بقصفه ونفيه وكتب كلاماً لا يدغدغ المشاعر تجاه البلدية التي يراها القارئ سبب مشكلاتة في قضايا أخرى وليس فقط في قضية شارع الأربعين.
أعتقد أن صحافتنا وإعلامنا بصفة عامة كثر فيه الكتاب الدعوجيون أكثر من غيرهم. وكل ما ارتفعت ارتفعت نبرة تقريع الكاتب وتتشنح صوت في الإذاعة أو التلفزيون بتعبيرات الحرقة والألم على ما يحدث، كلما زادت القاعدة الجماهيرية واصبح الكاتب والإعلامي نجماً إعلامياً وجماهيرياً وتويترياً.
القراء الأعزاء... كيف تروني أو كيف تريدونني؛ كاتباً دعوجياً أم كاتباً محامياً؟