محمد بن فهد العمران
لا يختلف أحد على أهمية المؤشرات العقارية بالنسبة لأي اقتصاد حول العالم لما تمثله تحركات أسعار العقارات من أهمية كبرى للأفراد (سواء كانوا ملاكاً أو مستأجرين) وللشركات (أيضاً سواء كانوا ملاكاً أو مستأجرين) وللمصارف التجارية (بسبب التمويل العقاري) وللمستثمرين (الذين يبحثون عن عوائد استثمارية جيدة) ولشركات التشييد والبناء (التي تبحث عن أعمال جديدة)، ولا يختلف أحد أيضاً على أن المؤشرات العقارية لا تقل أهمية عن مؤشرات أسواق الأسهم أو مؤشرات أسواق السندات أو مؤشرات أسعار الفائدة لأنها تمثل قناة استثمارية منافسة لهم إن لم تتفوق عليهم جميعاً في ظروف اقتصادية معينة.
بالنسبة للمملكة وبالرغم من نجاح وزارة العدل مؤخراً في استحداث مؤشر عقاري لتحركات الأسعار بعد عقود من الزمن كنا نشتري ونبيع العقارات بها في «ظلام دامس»، إلا أن المؤشر العقاري الذي قدمته وزارة العدل مشكورة لا يقدم صورة دقيقة وصحيحة لتحركات الأسعار العقارية في المملكة وكان من الطبيعي أن يفقد هذا المؤشر الآن مصداقيته لأنه ينظر للعقارات بنظرة واحدة بينما في الواقع لا يمكن مقارنة تحركات سعر عقار معين بتحركات سعر عقار آخر (قد يكون ملاصقاً للعقار الأول) بسبب الاختلافات فيما بينهما، وهذا بالتأكيد يختلف تماماً عن مقارنة أسعار الأسهم لشركة معينة بسبب التشابه التام فيما بين جميع الأسهم المصدرة لهذه الشركة.
وحتى لا نخترع العجلة من جديد، فالحل وببساطة هو إتباع المعايير المطبقة بدول متقدمة سبقتنا في احتساب المؤشر العقاري بدقة متناهية وبمصداقية عالية، حيث تعتمد المؤشرات العقارية في بريطانيا مثلاً على استخدام طريقة «التحركات المتكررة لمبيعات العقار “repeat sales regression وهي طريقة حسابية تنظر لتحركات أسعار بيع العقار نفسه خلال فترة زمنية معينة ثم يتم أخذ متوسط لتحركات أسعار بيع هذا العقار مع أسعار بيع عقارات أخرى بالمنطقة نفسها ثم للمدينة نفسها وهكذا لنحصل في النهاية على رسم بياني دقيق جداً يعتمد على «النسب المئوية» لتحركات الأسعار العقارية بحسب السنوات وبحسب التقسيمات إن كانت عقارات سكنية أم عقارات تجارية أم أراضي بيضاء.
بالنسبة لوزارة العدل بالمملكة، فهي نجحت في السنوات الأخيرة بتسجيل قيمة العقارات المتداولة ضمن صك الملكية (سواء كان عقار سكني أم عقار تجاري أم أرض بيضاء)، وهذا مهم جداً لأنه يسهل علينا تطبيق المعايير الدولية، فمثلاً لو تم بيع عقار سكني بقيمة 4 ملايين ريال بينما قبل 8 سنوات كان سعر بيع العقار نفسه بقيمة 5 ملايين ريال، فنستطيع القول وبشكل دقيق لا يقبل الشك أن سعر هذا العقار انخفض بنسبة 20% خلال 8 سنوات، وبالطريقة نفسها يتم أخذ عينة لتحركات أسعار عقارات أخرى في المنطقة نفسها والمدينة ذاتها وخلال فترات زمنية مختلفة للوصول إلى نسب مئوية دقيقة جداً لتحركات أسعار العقارات السكنية في تلك المنطقة ثم لتلك المدينة، وذلك لأننا ننظر لكل عقار على حدة.
بشكل عام الكرة الآن في ملعب وزارة العدل إذا ما أرادت فعلاً بتطبيق مؤشر عقاري يقدم معلومات صحيحة ودقيقة، على الأقل أكثر دقة من المؤشر العقاري الحالي الذي يعاني من ثغرات عديدة ويواجه انتقادات متكررة خصوصاً أن اقتصاد المملكة خلال المرحلة القادمة مقدم على استحقاقات مهمة تتمثل بتطبيق أنظمة الرهن العقاري وتطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء وغيره من الاستحقاقات التي تتطلب الحصول على معلومات صحيحة عن تحركات أسعار العقارات في المملكة ستساعد الأفراد والشركات والمصارف التجارية وشركات التطوير العقاري في اتخاذ القرارات السليمة.