أ. د.عثمان بن صالح العامر
مما منّ الله به على قاطنِ الجزيرة العربية (البترول) الذي غيّر وجه الأرض، وبدّل قيم وسلوك الإنسان، وأعاد ترتيب أولوياته، وجعله يتقلب في النعم صباح مساء، بل ربما قاده ما هو فيه من حال إلى ولوج دائرة الإسراف والترف المنهي عنها شرعاً تفاخراً وتكاثرا، تقليداً ومحاكاة، وأسألوا إن شئيم كبار السن، وأقرؤا صفحات تاريخ الجزيرة العربية في حقبة ما قبل النفط.
ومع أننا - ولله الحمد والمنة - مازلنا ننعم بهذا الفضل من الرب فإن من الواجب علينا أن نفكّر في البدائل حال نضوب مخزون هذا الذهب الأسود، أو كساد سوقه جراء الحصول على بدائل تقوم بالدور الذي يقوم به حتى تاريخه، أو انخفاض سعره أقل من تكاليف إنتاجه نتيجة قلة الطلب عليه في حال كثرة المعروض، أو لأي سبب كان لاسمح الله، وهذه المطالبة بالبحث والتفكير في البدائل حتى نضمن استمرار التنمية وتطور وتقدم المملكة ليست جديدة، ولا هي وليدة الوضع الاقتصادي المعيش اليوم، بل إن الاقتصاديين بحّت أصواتهم وجفت أقلامهم وهم يقولون ويكتبون مطالبين بالتفكير الجدّي في البدائل، وعدم الاعتماد الكلي على إنتاج البترول، ومع ذلك ظلّت هذه المطالبات مجرد أمنيات سرعان ما تذهب أدراج الرياح، حتى انبرى لهذا الأمر الهام صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، حيث قال في مقابلته نهاية الأسبوع الماضي مع وكالة «بلومبرغ» والتي امتدت لخمس ساعات، وانتهت عند الرابعة فجر الخميس: «....إنّ المملكة العربية السعودية تخطط لتأسيس صندوق بقيمة تريليونَيْ دولار لحقبة ما بعد النفط...»، وأضاف سموه قائلاً: «ويتبقى الآن أن نُنوّع الاستثمارات بحيث نصبح في غضون 20 عامًا اقتصادًا أو دولة لا تعتمد بصورة رئيسية على النفط».
إنّ «التحوّل الوطني» - الذي أعلن عنه سموه الكريم من قبل، وبين خطوطه العامة، ووجّه الوزراء المعنيين والجهات ذات الصلة بهذا المشروع السعودي الضخم - لن يتحقق له النجاح المنتظر ما لم يعِ المواطن بمتطلبات هذا التحول وتبعاته وآثاره، ليس هذا فحسب، بل يُتبع هذا بإعادة النظر في قيم العمل لديه وسلوكه الحياتي، ويفكر بشكل جدّي في أولوياته موازناً بين الاستهلاك الشره الآني والادخار طويل الأجل أو الاستثمار الخاص المدروس.
إننا في مرحلة توجب علينا التوسع في مؤسسات المجتمع المدني (القطاع التنموي الثالث) التي ستوعي المواطن وستدعم القطاعين الحكومي والخاص في العشرين سنة القادمة لضمان تحقق النجاح في التحول الوطني المنشود، فالمواطن لزاماً أن يشارك بوعي وأن يتفاعل بعزم وألا يكون كلًّا على غيره، بل يبذل جهده ويأكل من عرق جبينه مثلما كان الآباء والأجداد من قبل.
لقد بشّر المنظّرون المتخصصون في الموارد البشرية أن هناك وظائف ستندثر في ظل عصر تكنولوجيا المعلومات الجديد، وأن أخرى ستطل برأسها بعد أن كانت في رحم الغيب، ولذلك لابد أن يكون العقل البشري المحلي لديه القابلية للتعاطي مع هذه التغيرات العالمية والتعامل مع معطيات العصر ومتطلبات الحياة وإلا سيكون عالة على غيره، وهذا يعني ضمناً أن الشاب السعودي مطالب خلال العشرين عاماً القادمة أن تكون لديه روح المبادرة، ويملك ملكة ومهارة التفكير خارج الصندوق، وعنده النزعة العالمية علماً وعملاً، تعايشاً وإنتاجا، وأن ينزع عن عينيه غطاء العادات والتقاليد الثقيل الذي غطّى عينيه ردحاً من الزمن حتى صار يحتقر ويزدري مهناً وأعمالاً عدّها الإسلام شرفا، ولا يريد إلا العمل في القطاع الحكومي الذي هو اليوم عاجز عن الوفاء بما اعتاد عليه المواطن لأسباب عدة ليس هذا مكان الحديث عنها.
شكراً صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان على التفكير الجاد بما هو في ذهنية الكثير مجرد حلم بعيد المنال، لا لشيء إلا لأن التفكير الاستشرافي المستقبلي ليس في قاموسنا نحن السعوديين، ولأننا نخاف أن نفكر بلحظة المجهول الذي لا نريد، دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.