د.ثريا العريض
تناولت في المقال الأسبق تطورات ساحة إنتاج المادة الإعلامية و توزيعها و نشرها، و تأثر ذلك بتقنيات التواصل الحديثة كالإنترنت والأجهزة المنقولة التي تضيف قدرة التقاط الصور وتسجيلات الفيديو لأحداث عابرة, مفاجئة، أو مختلقة.
و تساءلت أين يقع إعلامنا والجمهور في هذه المعمعة؟
هل تطور وعينا حضاريا، واستعدادنا مؤسساتيا للتعامل مع كل هذا؟
ثم و نحن نمر بمرحلة تنموية مليئة بالتحديات منها اشتعال الجبهات الحدودية, و حروب الجوار التي دفعت بملايين اللاجئين المشابهين لنا لغة و دينا الى الهجرة فرارا من الموت مزدحمين على مدن بعيدة ليست دائما مستعدة للترحيب بالغرباء. شئنا أم أبينا نحن مشمولون ضمن أي حملة رفض لهم إثنيا أو دينيا أو بصورة فوبيا الغرباء أو اتهامنا بالتورط في إرهاب حدث و ما زال يحدث مهددا أمن مجتمعاتهم. نعلم ما يشعرون لأن نفس الإرهاب الديني و السياسي المنحرف طالنا عشرات المرات محليا و في الجوار الإقليمي. و لكننا موصومون بأننا الجذر الأصل وليس الضحية.
لاشك أن كل ذلك أثر على الواجهة الإعلامية وما تتطلبه منا.
حتى قبل تفجيرات الوضع مع بداية القرن الجديد كان الحوار يدور حول فعالية جهازنا الإعلامي الرسمي وصحفنا في ما تنقل للجمهور. واستجد الآن التساؤل حول فعالية إعلامنا المحلي الموجه للخارج في خضم العلاقات المتأزمة وموجة التشويهات المقصودة.
في العقد الماضي جاءت محاولات لتقوية المحطات وتعدد القنوات ولكن المحتوى والأسلوب لم يتطور إلا قشرياً.
وظل الإعلام المحلي في تقييم الكثيرين بعيدا عن النجاح. عاجزا عن الجذب محليا، ربما لأنه جاف مقارنة بما تتيحه قنوات الجوار من متعة الترفيه وإن انحدر بعضها إلى الإسفاف؛ و غير محسوس خارجياً لضعف جهودنا فلا تفي بالمطلوب, والأسوأ أنه حين نحاول إقناع الآخر لا نستطيع الانفصال عما اعتدنا في التوجه للمتلقي الداخلي.
الآن ونحن في حالة استنفار واضحة ومصيرية لتوضيح موقفنا الرسمي و المجتمعي من التأزمات المحلية الداخلية والإقليمية والدولية, والدفاع عن أنفسنا في مواجهة حملات تشنيع وتشهير مقصود من جهات متعددة, أصبح تطوير جهاز الإعلام ليس فقط مطلوباً بل ضرورة حيوية.
لابد من مواجهة الوضع بشفافية وبصدق مع أنفسنا في الداخل حين تفجعنا أخبار تعديات بعضنا باستقواء على الأضعف كالأطفال والعمالة, وبحرص متوازن و مدروس قبل التعامل إعلامياً مع الآخر في الخارج حين يكرر مساءلاته بنبرة فوقية تجريمية عالية تحت تبريرات حقوقية.
ماذا فعلنا لمواجهة تغول البعض في وسائل الإعلام الجديد مثل تويتر وانفلات التكفير و السباب و القذف و التلفيق عند التشهير بفرد أو مؤسسة أو أي مخالف للرأي لفئة ما؟
هل إجراءات التعامل مع الجرائم المعلوماتية فعالة؟ هل هي تطبق بحزم وحسم في كل حالة؟
ويستحق الأمر وقفة تأمل كيف نحقق تطورا في بناء الثقة في الداخل قبل الخارج؟ كيف نبني ثقة المتلقي الداخلي؟ كيف نمنع تغول الفئات، و انفلات الأفراد, و تضرر أبرياء إعلاميا؟
كيف نحمي أمن الوطن ضد خلخلة استقراره عبر وسائل التواصل الحديثة؟ بقصد من أعدائه؟ أو بجهل من أبنائه؟.
هل جهاز الإعلام عندنا قادر بصيغته وإجراءاته الحالية على تحقيق ذلك؟ وكيف يمكن تحسين فعاليته؟
تساؤلات تستحق وقفات جادة نعود إليها لاحقاً في حوار قادم.