أحمد محمد الطويان
في مجتمع يتغير بشكل متسارع إلى الأفضل، وطموح شبابه يكبر كل يوم، لا بد من خطوات تطويرية أكثر تأثيراً في التعليم العالي السعودي، وأن لا يكون التطوير مجرد تنظير، أو رغبة عليا تصطدم بعقبات إدارية وتنفيذية لم تتخلص من تقليدية الإجراءات وتأخر الإنجاز. نحن بحاجة إلى صفحة جديدة أكثر إشراقاً في التعليم العالي، فالكم لا يعمي أعيننا عن الكيف، والقول لا يغني عن الفعل، والمستحيلات ليست بعيدة طالما هناك إرادة عليا.
لنأخذ في عين الاعتبار تجارب مهمة في بلدان أصغر منا مساحة، وأقل إنجازاً في حقل التعليم، اليوم أصبحت تحتضن أهم الجامعات العالمية بمناهجها وأكاديمييها، ونحن ما زلنا نفاخر بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ولا يرتقي غيرها لمستوى المفاخرة عالمياً، هل نحن بحاجة إلى تسليم جامعاتنا إلى الجامعات العالمية لتشرف على مناهجها وتقرر خططها لننهض من حالنا إلى حال أفضل، وهل الاستثمار الأنسب والأفضل أن نبعث أبنائنا إلى الخارج ونترك جامعاتنا على حالها؟!.
نتساءل اليوم عن برنامج الابتعاث الخارجي وهل ما زال على رأس أولويات التعليم العالي في المملكة أم أن المستجدات الاقتصادية لن تبقيه في الأولويات؟..
الأهم هل قيّمنا تجربة الإبتعاث بأسلوب علمي قبل أن نحكم على البرنامج في إبقائه أو تعطيله أو حتى إلغائه؟
ولكن أعتقد بأن تطوير الجامعات المحلية واستقطاب الخبرات سيكون أجدى بكثير وأعم نفعاً من إرسال مجموعات قليلة في تخصصات نظرية إلى الخارج، ويمكن وضع خطة أكثر صرامة ووضوحاً في تطوير الجامعات ومخرجاتها وترشيد نفقاتها.. مثلاً لم أفهم حتى الآن التسابق على الكراسي العلمية في موضوعات نظرية وغير مفيدة، ونتائجها البحثية إن وجدت مجرد تكرار واجترار وبأسلوب إنشائي لا يضيف، ويصرف عليها مبالغ طائلة.
على وزارة التعليم أن تولي البحث العلمي جل اهتمامها بجمع كل المراكز البحثية في هيئة عامة للبحث العلمي يرأسها وزير التعليم، وأن تضع معايير صارمة للكراسي البحثية، ولعمادات البحث العلمي في الجامعات لتحفظ جودته وتضمن بإذن الله مخرجات تثري سوق العمل والتنمية الشاملة من الطلاب والطالبات والباحثين والباحثات، إضافة إلى الاهتمام بالبيئة الجامعية وبالبرامج الأكاديمة، وبتأهيل عضو هيئة التدريس في الجامعات السعودية وإخضاعه للتقويم المستمر، وإقرار ما يمكن تسميته رخصة التدريس الجامعي والتي يخضع حاملها إلى اختبارات أكاديمية ونفسية وتفرض على من يسعى للحصول عليها دورات علمية وعملية، حفاظاً على مكانة التعليم الجامعي وتوقيراً لمكانة هيئة التدريس.
نريد من وزارة التعليم خطة طموحة للتعاون الأكاديمي مع الجامعات العالمية الكبرى، بفتح فروع لها بالمملكة في تخصصات وكليات محددة، وابتعاث المؤهلين للإبتعاث داخلياً لها، وهذا يكون بالتوازي مع برنامج الابتعاث، وهنا يمكن أن يطرح مشروع جديد للتعاون الأكاديمي يكون برنامج الابتعاث تحت مظلته، وكذلك يطور من آداء الملحقيات التعليمية، ويضمن استمرارية التعاون الأكاديمي مع أهم الجامعات في العالم، نريد من التعليم العالي أن يفتح نوافذ أخرى على العالم بذات النجاح الذي حققه برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث إذا أثبت تقييم التجربة وجود نجاح يبنى عليه، وأن لا تغلق جامعاتنا أيضاً أبوابها وتنكفئ على نفسها، وأن لا يكون التمييز بين الجامعات على أساس المدينة أو المنطقة، بل يكون أساسه الإنجازات والنجاحات.
الجميع يعلم بأن التنمية مرتبطة بالتعليم، فلا تنمية دون تعليم جيد، ولا جودة في التعليم طالما لا نلقي بالاً للتنمية، والتنمية لا تسير إلى الأمام بالمال فقط، بل بالعلم، والمال إذا لم يخدم العلم لن تتحقق لنا تنمية حقيقية تبقى وتثمر، وهذا هو استثمارنا المهم، وهذا خيارنا من أجل مستقبل ذهبه العقول وليس البترول فقط.. الأمل كبير في معالي الدكتور أحمد العيسى وزير التعليم ليتخذ القرار المناسب لوضع قطار التعليم على سكة الإنجازات، فبلادنا تتغير وتسير بسرعة إلى الأمام وبخطط طموحة، ولا تغير بلا تعليم يعي معنى التطور ويعرف قيمة التغير للأفضل، تعليم نقي من الأيدلوجيات المثبطة والإهمال المحبط.. التعليم أمانة.