أحمد محمد الطويان
قال الرئيس الإيراني في حديث نقلته رويترز قبل 3 أيام أن هناك نية إيرانية لإرسال وفد إلى السعودية في نية لتلطيف الأجواء، ومد الجسور التي قطعت، بعد قرار السعودية قطع العلاقات مع طهران بعد أحداث الحرق والاعتداء على السفارة والمكاتب الديبلوماسية التابعة لها في إيران. يمكننا قراءة هذه النوايا بأكثر من زاويا، ولكن الأكيد أيضاً بأن لا عداوة دائمة في السياسة، ولكن متى ترضى السعودية وتقبل بأي خيارات تضمن العلاقات الطبيعية مع الجارة المشاغبة؟.
من يعرف السعودية يعرف جيداً بأنها تتميز بسياسة خارجية تقوم على احترام سيادة الدول، وعلى احترام الجوار، ولا تتدخل بتاتاً في الشئون الداخلية لأي دولة مهما كانت الظروف، ولا تريد السعودية من إيران أو غيرها إلا مبادلتها هذه الأخلاقيات، وفق ما تقرره القوانين الدولية والأعراف الديبلوماسية. هذا ليس كلاماً إنشائياً للاستهلاك الإعلامي، بل تؤكده المواقف ويثبته الزمن، وهذه المواقف تجعل من يدافع عن السعودية واثقاً من صحة قراراتها وسلامة موقفها.
لا تريد السعودية محاربة إيران، أو حتى مواجهتها في حالة عدائية مستعرة، ليس لعدم قدرتها على المواجهة، بل لعدم رغبتها في إشعال المنطقة المشتعلة أصلاً والتي يعرف الإيرانيون قبل غيرهم أسباب اشتعالها. أدرك النظام الإيراني اليوم بأن السياسة السعودية «المتريثة» أصبحت أكثر إقداماً.. والإتزان هو ضابط الحالة السياسية السعودية في تريثها وإقدامها، ولن تقبل بإستهانة الإيرانيون بقوتها وحجمها الذي عرفوه جيداً في الأشهر الماضية، علماً بأن السعودية لم تلعب بكل أوراقها وهذا أيضاً يعرفه نظام طهران جيداً.
كان لابد من تحركات سعودية تؤدي إلى تحصين المنطقة من تهور قوى لا ترغب باستقرارها، وحصلت المملكة على نتائج إيجابية وتنتظر المزيد.. وبلا شك لن يرفض صانع القرار السعودي علاقات طبيعية وإيجابية مع الجارة إيران ولكن بكل تأكيد سيرفض العلاقة ذات الوجوه المتعددة، وجه الدولة الذي يظهر به الديبلوماسيون، ووجه الثورة الذي يظهر به رجال الدين والحكام المتسيدون، ووجه المؤسسة العسكرية التي يمثلها الظاهر من العسكر والخافي من الاستخباراتيين والمليشيات المنضوية تحت لواء «الولي الفقيه».. لا تقلل السعودية من مكانة إيران في المنطقة ولا تاريخها ولا ثقافتها، ولكنها تأسف بكل تأكيد لأخلاقيات سياساتها، وأفكارها الثورية المتعدية والتي تضر بأمننا وسلامة منطقتنا.. ولن تكون السياسة السعودية بتصور المراقبون مهادنة أو متريثة، أمام الإنفلات الأخلاقي والتعدي السياسي والعسكري، فلا وقت للسجال، ولا مكان في قاموس السعوديين اليوم للمنطقة الرمادية، لا لأنصاف الأصدقاء وأنصاف المواقف وأنصاف الصادقين.
ما عبثت فيه إيران طوال السنوات الماضية ومنذ قيام الثورة «المختطفة» في عام 1979 لن يصلحه تصريح صحافي، والمجال مفتوح للقيام بأعمال على الأرض تبرهن حسن النوايا، وقد تجد طهران نوايا أكثر صدقاً وإلتزاماً من الرياض.. ولكن ليس بالسهولة التي يتوقعها مشعلوا الحرائق، وبكل تأكيد من تعود على سهولة الإشعال يجهل صعوبة الإطفاء، ومن لم يجرب المسالمة لا يعرف شعور السلم، ومن لم يفكر بالتنمية، لن ينشغل بالمصالح المشتركة عندما يمارس السياسة بأصولها الديبلوماسية.. ومن يتعمد التشيطن لن يقنع الآخرين بسهولة بأنه ملاك طاهر وحمل وديع!.
في التسعينات حصلت إيران على فرصة ذهبية من السعودية، لتكون على الأقل دولة صديقة ذات علاقات طبيعية، ولكنها فرطت بالفرصة، ولم تغلب قوة من يتسمون بالإصلاحيين والذين تولى الرئاسة منهم في حقبة التسعينات الرئيس هاشمي رفسنجاني والرئيس محمد خاتمي، واستقبلت السعودية خاتمي في 1997 وزار ولي العهد آنذاك الأمير عبدالله طهران، ووقعت السعودية اتفاقية أمنية مع إيران وقام بزيارتها الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز، مرحلة الفرصة الذهبية لم يحترمها الإيرانيون، ولم يعملوا للبناء عليها، وبقيت إيران تمارس سياستها المكشوفة «حلاوة طرف اللسان ومراوغات الثعلب».. كيف ستثق السعودية بعد مشوار طويل من عدم الالتزام، وانكشاف المخططات الخطيرة، ولعل آخر ما انكشف بالأدلة العلاقة المشبوهة بتنظيم القاعدة، وما قدمته إيران لأسامة بن لادن واتباعه!.
عملت إيران منذ 1979 على تحويل المشكلات إلى طائفية، لتحظى بالمرجعية الشعبوية في الشارع الشيعي، ولتلطف السمعة العنصرية السيئة للتشيع الفارسي، وليس أمام هذا النظام الثيوقراطي إلا شيطنة الآخر المختلف، ومحاربته وتعطيل نموه وسيطرته، وفي كل عام تزيد السعودية حضورها وقوتها وتتكبل إيران أكثر بالعقوبات والإخفاقات.
واليوم بفعل العواصف السعودية لم يبق على الشجرة أوراق تستر سوءات النظام الإيراني.. وليس أمامه إلا العودة إلى العقل بعد حفلات الجنون.. لن تسمح السعودية بأي توسعات إيرانية سياسية أو عسكرية أو استخبارية، ولن تقبل بأن يهدد حدودها من تمولهم وتدربهم طهران، ولن تتسامح مع من يزرع الخلايا داخل البلاد ويحركها.. السعودية المنتصرة لا تنظر إلى مشكلاتها مع إيران نظرة طائفية، ولا تحمل أي كراهية للشعب الإيراني الكريم، ولن تصدق بسهولة أي كلمة تقال في طهران، هذا رأي غالبية من يراقبون المشهد ويحللون التحركات السعودية.
إيران نمر من ورق، والسعودية تعرف ذلك جيداً، ومن يريد المواجهة ستواجهه السعودية بصرامة، ومن يريد السلم عليه العمل وإثبات ذلك، وزمن الاستئساد انتهى.. والخطر الإيراني ليس في القوة بل في الرعونة، ولكل داء دواء.