أحمد محمد الطويان
لا تنظر المملكة إلى لبنان نظرة طائفية، وسياسة المملكة بهذا الخصوص واضحة تجاه الدولة اللبنانية، والشعب اللبناني يعرف ذلك جيداً، حتى أولئك الطائفيين المنتمين إلى حزب الله الإيراني.
في العشرينات كان أديب الفريكة الماروني أمين الريحاني أحد المثقفين الذين ربطتهم علاقة دافئة بمؤسس المملكة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وبعده عشرات من اللبنانيين الذين عملوا في ديوان الملك عبدالعزيز ومن طوائف مختلفة.
وكان أول سفير للمملكة في الأمم المتحدة جميل بارودي وهو مسيحي لبناني، مثّل المملكة خير تمثيل، ووقف مواقف مشرفة باسم السعودية لصالح العرب والمسلمين. لبنان البلد أكبر من التقسيم الطائفي، ولبنان الشعب أكبر بكثير من الاختلافات الطائفية، والشواهد على ذلك أكثر بكثير من شواهد الاختلاف وأمثلة التفريق والاقتتال.. في نهاية عهد أول رؤساء لبنان شارل دباس «الأرثذوكسي» وقبل نهاية الانتداب الفرنسي ومع قرب الاستقلال، ترشح المسلم السني الشيخ محمد الجسر والماروني الشيخ بشارة الخوري للرئاسة، وحظي المرشحان بتأييد كبير، واللافت أن الجسر وهو الطرابلسي السني، كان يحظى بتأييد من رموز الموارنة وغيرهم، كما أن الخوري كان يحظى بتأييد بعض رموز المسلمين، لم يفكر السياسيون اللبنانيون بمنظور طائفي بالقدر الذي فكرت فيه سلطات الانتداب الفرنسي بهذا الأمر، كانت الحياة السياسية في نشأتها الأولى أكثر تسامحاً وإيماناً بقضية وطن لا بقضية طائفة.
السعودية كانت أول دولة وقفت إلى جانب الاستقلال في لبنان، ورحبت برئاسته المارونية، وبتنوعه الطائفي، ومؤمنة بانتمائه الراسخ للعروبة، كان لبنان بنظر السعودية دولة يزيدها التنوع قوة، ويجعلها واجهة للشرق، وجسراً ثقافياً مهماً يعبر عن كل العرب. بالفعل كان لبنان لسان العرب، ومحبرتهم وعاصمة الفكر والإبداع والانفتاح.. في القمة العربية التي عقدت في الرباط 1974م اقترح الملك فيصل أن يقوم الرئيس سليمان فرنجية بتمثيل العرب في الأمم المتحدة وليتحدث باسم 150 مليون عربي آنذاك عن قضية فلسطين وضم الوفد التي ترأسه فرنجية إلى نيويورك رؤساء جمهورية لبنان السابقين ورؤساء الوزراء ووزراء خارجية نواباً ورموزاً سياسية، من ثمار ذلك التمثيل المتميز تفهم العالم للحق الفلسطيني، وشرعية الحضور الدولي لمن يمثلون القضية الفلسطينية. بكل تأكيد لا يفخر حسن نصرالله اللبناني اسماً بهذا التاريخ المضيء، والمليء بالارتباط الروحي والجسدي بالكيان العربي.. بل يريد هو والمتحالفين معه أن يُطمس ويُنسى. هذا التاريخ الذي اعتقد بأنه لا يخفى على وزارة الخارجية اللبنانية التي يترأسها جبران باسيل «حليف حزب الله الايراني» يُظهر بأن السياسة الخارجية لهذا البلد اُختطفت باسم النأي المزعوم عن قضايا العرب وهمومهم وما يتهددهم، لذا يجب أن تستيقظ لبنان من سبات قسري، غيبها عن العروبة التي لا يعرفون منها إلا شعارات مزعومة وكاذبة عن فلسطين، يطلقها زعيم الحزب الإيراني المحتل.
هذا الحزب الإيراني المحتل، منذ دخل في السياسة بداية التسعينات، بدأ يُفقد المشهد السياسي اللبناني «الأخلاق» وبعد أن تمكن عبث بأخلاق السياسيين، وغير الموازين، وشوه الحياة السياسية، وخلق النزاعات، وغيب الابتسامة، ومارس أقذر الممارسات لتمرير الأجندة الإيرانية.. اللبنانيون يعرفون ذلك جيداً، وقبل كل اللبنانيين يعرف الشيعة وعلى وجه الخصوص من عايشوا تكوّن حزب الله في مرحلة الحرب اللبنانية حقيقة هذا الحزب الدموي، الذي قتل بالرصاص الايراني أبناء طائفته في ما يعرف بحرب الاخوة، عندما أدخلت إيران أنفها في الأزمة اللبنانية بالثمانينات، وحاولت تدمير عروبة الانتماء الشيعي في هذا البلد، وصدرت التشيع الصفوي الفارسي في أقبح صوره، ومارست الطائفية، وإقصاء كل من لا يسير على نهجها.
اللبنانيون اليوم يعرفون جيداً من دمّر ومن عمّر لبنان، ويفهمون ما يدور حولهم. ويعرف اللبنانيون أنهم يعيشون في اللا دولة بسبب «الحزب المحتل» وأن هناك من يريد إشغال لبنان بمشكلات سياسية داخلية لا تنتهي، ويبعدون الحكومة عن التنمية والتطوير والتغيير.. جاء الوقت لينفض الشعب غبار الحزب، ويعلنوها بصوت واثق... «عروبة لبنان ستنتصر».