د. عبدالرحمن الشلاش
كان الإهمال سبباً رئيساً بعد إرادة الله في وفاة الطفل نواف السلمي «8 سنوات» في مدينة جدة الأسبوع الماضي، فقد أغلق عليه سائق باص المدرسة كل الأبواب وتركه يواجه مصيره. لم يكلف السائق نفسه عناء التأكد من نزول كل الطلاب، ولم تعين المدرسة مشرفا مسئولا عن الباص كما تفعل بعض المدارس الأهلية ربما من باب توفير المصاريف وترشيد الإنفاق حتى ولو هلك كل الأطفال المهم أن توفر المدرسة فهدفها في النهاية الربح المادي.
كان حديث والد الطفل في قناة العربية مؤلما ومثيرا للحزن وهو يبكي فلذة كبده وفي نفس الوقت ينعي تعليما أنهكه الإهمال واللامبالاة والخطأ الكوارثي الذي أدى إلى وفاة ابنه في غياب تام للمتابعة من إدارة المدرسة وقبلها إدارة التعليم، ولعل ما زاد من حزن الأب أن مسئولي التعليم و إدارة المدرسة لم يكلفوا أنفسهم للحضور وتقديم واجب العزاء على أقل تقدير. من تابع حديث الوالد المكلوم شعر بالحزن والأسى. الوالد حسب كلامه دفع عشرين ألف ريال سنويا للمدرسة الأهلية ليجد ابنه أفضل أنواع الاهتمام والرعاية والتعليم المتميز.
الحادثة الموجعة لم تكشف إهمال سائق الباص فقط بل كشفت عن سلسلة طويلة من الإهمال واللامبالاة فالطفل نواف يرحمه الله تغيب قبل الحادثة لمدة خمسة أيام لألم في عينيه ومع ذلك لم تتصل المدرسة ولم تستفسر عن غيابه حسب كلام الأب بل إنها اعتبرته حاضرا فأي إهمال أكثر من هذا ؟ ثم كيف تتصرف المدرسة بطريقة ساذجة حين سلمت أخاه الذي يدرس في المرحلة المتوسطة حقيبة نواف ونظارته ثم أعطوه رقم مدير المدرسة وطلبوا أن يخبر والده بضرورة الاتصال بالمدير بدلا من ذهاب المدير بنفسه وبعض معلميه للأسرة لنقل الخبر ومواساتهم والتخفيف عنهم!
إدارة التعليم كالعادة تحركت بعد فوات الأوان فشكلت اللجان وبدأت التحقيق، لكن ماذا سيجلب التحقيق ؟ نحن بلا شك نؤمن بالقدر لكننا أيضا نطالب ببذل أقصى ما بالوسع من الاهتمام، وتطبيق شروط السلامة فهل تم تطبيق هذه الأمور؟ كل ولي أمر بدأ يضع يده على قلبه خوفا على أبنائه من الإهمال الذي يضرب للأسف بأطنابه في العمل المدرسي، واللامبالاة وعدم معاقبة المتسببين بما يتوازى مع حجم الأخطاء! كل أب يرسل أبناءه وبناته كي يتعلموا وتوفر لهم كل عوامل النجاح ويحاطوا بكل أنواع الرعاية والاهتمام وبالذات في مدارس أهلية تتقاضى رسوما عالية وعليه يجب أن تقدم للطلاب أفضل الخدمات.
أعتقد أن إدارة التعليم بما تضمه من جيش ضخم من المشرفين والإداريين مطالبة بالإشراف المباشر على المدارس الواقعة ضمن نطاقها، والتأكيد على أبرز جوانب العملية التعليمية ومن أهمها البيئة المدرسية من فصول وقاعات، والمأكولات المقدمة في مقاصفها ومطابقتها للاشتراطات الصحية كي لا تحدث حالات تسمم.
ثم أين إدارة التعليم الأهلي في إدارة التعليم عن متابعة النقل المدرسي والتأكد من سلامة الحافلات وكفاءة السائقين وخبرتهم في العمل، والتأكيد بأن لا يكتفي السائق بإيقاف الحافلة وتركها لست ساعات بل لا بد من تفقدها والتأكد من خلوها من جميع الطلاب ؟ ما حدث يستدعي اتخاذ قرارات قوية لمعاقبة المتسببين والتخفيف من وطأة المصيبة على الأسرة المكلومة.