د. زايد الحارثي
من مكة المكرمة بزغ نور الهداية والحق للبشر، وفيها نزل الوحي والرسالة وآخر الرسل محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلَّم -، ومن مكة المكرمة وفيها نشط وكبر وتضاعف سوق البيع والشراء والتجارة، وكانت رحلة الشتاء والصيف ثم توسعت التجارة في حدود مكة ونشأت الأسواق التجارية والاقتصادية مثل سوق ذو المجاز وسوق عكاظ وغيرها، حيث يفد إليها آلاف البشر من كافة أصقاع الأرض للبيع والشراء، بالإضافة إلى أداء فريضة الحج التي أصبحت سبباً رئيسياً لنشوء تجارة ضخمة وسوقاً عالمياً يتوافد إليه الحجاج والمعتمرون ببضائعهم ومنتجاتهم.
وقد نظمت المظلة التي تنظم أطر العمل الاقتصادي والتجاري مع الزمن في هذه التعاملات وذلك من خلال تعليمات الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي السمح، حتى أصبح هناك نظام اقتصادي منبعه ومصدره الإسلام في أسس التعاملات المالية المختلفة في الزكاة وفي الصدقات وفي البيع وفي الشراء وفي التملك وفي الكثير من الأحكام والقواعد الاقتصادية والمالية والتجارية، ومن تلك الأحكام والقواعد استقرت وانتظمت الحياة الشاملة للدول والشعوب على اختلاف أزمانها وحكامها.
وبالتزامن مع تلك الأنظمة الاقتصادية العالمية أو بعدها نشأت أنظمة اقتصادية وسياسية أخرى مقترنة بأنظمتها الاقتصادية الوضعية، فنشأ ما يسمى النظام الرأسمالي ثم النظام الشيوعي وهكذا ومع استمرار العواصف والأزمات المالية والتقلبات العالمية انهار النظام الاقتصادي الشيوعي ولم يحتمل مواجهة التحديات الجديدة والأزمات، ثم بقى النظام الرأسمالي مقابل النظام الإسلامي، ولما اشتدت الأزمات والرياح العالمية في وجه الأنظمة المالية العالمية بدأ النظام الرأسمالي يواجه ثغرات كبيرة وخطيرة ولا مجال للتفصيل في هذه الثغرات سواء تلك الضريبية أو خلافها.
ومن طبيعة العقل السياسي والبشري المالي أن يبحث عن البدائل التي تسد هذه الثغرات، فجاءت الأصوات والدعوات من داخل النظام الغربي أو من ذلك الشرقي التي تطلب بالبحث عن البدائل، ولم يكن هناك من بديل يكفي ويشفي ويلبي الطلب سوى النظام الرباني الذي جاء خيراً ونعمة على الأمة الإسلامية وهو النظام المصرف الإسلامي.
وقد بدأت جهود التعريف بهذا البديل في مكة منذ حوالي أربعين عاماً كما أشار إلى ذلك معالي مدير جامعة أم القرى الدكتور بكري بن معتوق عساس في كلمته الافتتاحية للمؤتمر العالمي الأول للمصرفية والمالية الإسلامية الذي عقد في رحاب جامعة أم القرى في 2 - 6 - 1437هـ، وهو مؤتمر تشرف بافتتاحه ورعايته معالي وزير التعليم الاستاذ الدكتور أحمد بن محمد العيسى الذي أبدى دعماً وتشجيعاً واهتماماً بأهمية هذا المؤتمر زماناً ومكاناً.
وقد كان من أبرز محطات التعريف بهذا البديل الاقتصادي العالمي: الصيرفة والمالية الإسلامية الكلمات الافتتاحية التي تضمنها برنامج الافتتاح للمؤتمر سواي كانت كلمة معالي مدير الجامعة التي كانت كلمة ضافية أبرزت مراحل تطور المصرفية الإسلامية المعاصرة ومبررات الاحتياج إلى الاستفادة عالمياً فيها.
ثم كلمة عميد كلية العلوم الاقتصادية والمالية الدكتور صالح العقلا التي أشار فيها إلى أن الكثير من الدول في القارات الخمس باتت تعترف اقتصادياً بالأعمال المصرفية الإسلامية باعتبارها أمناً لحماية الاقتصاد الكلي والفردي للدول لمجتمعاتها.
وقد أكد معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور فهد المبارك أهمية تأثير البديل المالي الإسلامي المتوافق مع أحكام الشريعة في معادلة الاقتصاد العالمي، حيث إن 17 في المئة من النشاط العالمي هو نشاط مالي إسلامي وهذا يبرهن على الحاجة إلى إعادة النظر في استيعاب النظام المالي العالمي للبديل العالمي الإسلامي المصرفي، حيث تبلغ أصول هذا النظام في السنوات الخمس الماضية نحو 1.3 ترليون دولار ويعمل فيها أكثر من نصف مليون موظف، وبما أن المملكة العربية السعودية هي الحالة النموذجية لتطبيق هذا النظام المصرفي العالمي من المنظور الإسلامي فقد أصبح فخراً بأن يكون النظام المصرفي السعودي هو رابع أفضل وأقوى في العالم بعد استراليا وكندا وسنغافورة.
بل إن محافظ مؤسسة النقد أشار إلى نقطة مهمة جداً وهي أن برنامج التحول الوطني المرتقب سوف يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والمستدامة في المملكة.
أما معالي نائب رئيس البنك الدولي الدكتور محمود محيي الدين فقد أكد على الدور الذي يلعبه التمويل الإسلامي لتحقيق التنمية المستدامة وأن التمويل الإسلامي يستطيع أن يقدم الحلول العملية التي تدعم أهداف التنمية وتمويل المشروعات وإيجاد الحلول اللازمة لتوفير العديد من المشكلات التي تعاني منها العديد من الدول وفي مقدمتها الدول الفقيرة.
وهكذا تتالت الأبحاث والتوصيات التي جاءت من الخبراء والمختصين في المجال سواء كان ذلك من العالم الإسلامي أو العالم الاخر لتؤيد جميعها الدور المتنامي والتفهم الحقيقي لدور البديل المالي والصرف الإسلامي في مواجهة المشكلات التي تواجه عالم اليوم.
لقد أحسنت جامعة أم القرى في اخذ زمام المبادرة والريادة في هذا المجال كما أحسن وزير التعليم الاستاذ الدكتور احمد بن محمد العيسى في دعمه ورعايته وتشجيعه لمثل هذه المبادرات التي نحن بأشد الحاجة إليها في جامعاتنا ومؤسساتنا البحثية كما نوه عنها معالي محافظ مؤسسة النقد.
والله من وراء القصد