عبد الاله بن سعود السعدون
لم تكن مصادفة أن يجعل المؤسس الإمام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - طيَّب الله ثراه - أول زيارة رسمية لجلالته إلى مصر المعمورة تلبية لدعوة كريمة من الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان آنذاك عام 1946م، ويزيد الملك فاروق - رحمه الله - في التكريم والحفاوة بملك المملكة العربية السعودية بالزيارة الأولى بأن يُخصص اليخت الملكي المحروسة ليقل جلالة الضيف الكبير من ميناء جدة ويرسو في السويس ليكون في استقباله الملك فاروق وأركان حكومته، وتدوم الزيارة لأكثر من اثني عشر يوماً محفوفة بالترحيب والفرح الرسمي والشعبي، وقد زرعت هذه الزيارة التاريخية بذور العلاقة الأخوية العميقة بين البلدين الشقيقين مصر العربية والمملكة العربية السعودية.
وتأتي الزيارة الأولى لمليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز آل سعود في عهد الحزم والخير لتشكّل حدثاً مميزاً عربياً ودولياً مع ترقب كبير للنتائج المباركة التي ستحققها في المجال الثنائي بين البلدين والمحيط العربي والإقليمي.
تأتي هذه الزيارة التاريخية والأمة العربية تعيش حالة صعبة من الفوضى الأمنية في العديد من أجزائها وسيطرة المليشيات المنفلتة الإرهابية، ففي اليمن يعبث الحوثيون بأمن واستقرار البلاد بسرقة السلطة من الشرعية، وتتمرد بشنها حرباً وحشية على أبناء الشعب اليمني الشقيق، ونفس الدور تمثله عصابات داعش الإرهابية في ليبيا والعراق، وجيش الدكتاتور الصغير بشار يغتال شعب سوريا العربي الثائر على نظامه المتسلط، وهنا يبرز الدور السعودي - المصري لإيجاد رافعة قومية لإزالة أنقاض هذه الحروب الأهلية التي تراكمت بعد ما يُسمى باللهيب العربي لتُشكّل سلسلة متقدمة من الملفات السياسية والاقتصادية الهامة ليحقق الدور السعودي والمصري بداية لمرحلة الترميم للكيان العربي الذي تعرض للتصدع بفعل هجمات الإرهاب الداعشي المبرمج في جسم الوطن العربي.
الأمن العربي القومي يحتل مجالاً هاماً من جدول أعمال هذه الزيارة التاريخية، فالمملكة العربية السعودية التي استطاعت قيادتها المخلصة عربياً أن تجمع أكثر من عشرين دولة عربية وإسلامية في تعاون عسكري مثالي من حيث الاستجابة والخدمات الميدانية اللوجستية، مما نال إعجاب وتقدير الدول المتقدمة في المجال القتالي ترجم هذا التحالف الإسلامي تمارين رعد الشمال والتي شارك فيها جناحا القوة والأمن العربي القوات المصرية والسعودية مع الأشقاء من العالم العربي والإسلامي، وسيكون التعاون العسكري من أبرز الاتفاقات الخيرة التي ستأتي بها زيارة الحزم والسلام لسلمان المنصور لأرض الكنانة الشقيقة، وليُشكّل هذا التعاون والتكامل العسكري الموجود فعلاً قوةً مضافة للأمن القومي العربي أمام التهديدات الإقليمية والدولية.
التحضيرات الرسمية والشعبية التي عاشتها القاهرة لأشهر لتستقبل حبيب الشعب المصري سلمان والذي يسجل تاريخنا العربي القريب مشاركته كمقاتل متبرع للتطوع في صفوف المقاومة الوطنية للدفاع عن الأرض المصرية من العدوان الثلاثي المندحر عام 1956م، وتبقى المواقف الوطنية والعربية للملك سلمان نحو الشعب المصري عالقة في وجدان كل مواطن مصري محب لوطنه وأمته العربية، فمظاهر الترحيب والحفاوة الرسمية والشعبية شملت كل الأرض المصرية، وأظهر الإعلام الوطني حصته الواسعة من الترحيب والمحبة للضيف الكبير الذي يزور وطنه الثاني والذي يحبه ويسعى لنصرته وازدهاره وستترجم الاستثمارات المفاجئة بأرقامها واتساع محيطها في كل الدولة المصرية لتشارك في سلة الخير السعودية للشقيقة مصر العربية والتي تعاني الآن من ضائقة في وضعها الاقتصادي نتيجةً للضغوط الإقليمية والدولية وآليتها الإرهابية عصابات داعش لتخريب القطاع السياحي وتبعد الاستثمار الأجنبي عن الاقتصاديات المصرية، وقد نشطت اللجنة المصرية - السعودية المشتركة والتي تضم العديد من الخبراء الاقتصاديين الرسميين والقطاع الخاص لرسم خارطة التعاون والتكامل الاقتصادي السعودي - المصري والتي ستدرج ضمن الاتفاقيات العديدة والتي ستوقّع بين البلدين الشقيقين.
وهناك ملف هام عربي وإسلامي أتمنى بصفتي مواطناً عربياً مسلماً وأيضاً تشارك أمنيتي هذه بكوني عضواً مؤسساً لملتقى الحوار العربي - التركي أن يترافق الزعيمان الكبيران الملك سلمان والرئيس السيسي في الزيارة المنتظرة لأنقرة، وأن يعم الفرح والسلام العالم الإسلامي بالتصالح التاريخي بين القاهرة وأنقرة، وتزول كل الغيوم السوداء من سماء العالم الإسلامي باليد السعودية المباركة التي يمدها مليكنا المفدى سلمان المنصور لكل مسعى نحو الأخوة والتعاون والتضامن العربي الإسلامي.
اللهم يسر المساعي المباركة بأن ترى أنقرة عناق أردوغان والسيسي وبينهما سلمان.. آمين.