كوثر الأربش
ماذا لو نجحت مساعي المغرضين في تعكير صفو العلاقات السعودية المصرية؟ الإجابة على هذا السؤال المخيف؛ سيبيّن مدى بُعد النظرة السياسية التي يمتلكها الملك سلمان - حفظه الله، المتمثلة في مبادرته المصيرية لتوكيد متانة العلاقة التاريخية بين البلدين. فهي رسالة ليست ضمنية بأي حال، بل شديدة الوضوح، بأنّ محاولة إذكاء فتنة بين البلدين رهان خاسر بلا شك. الأمر الذي حدا بعض الصحف المصرية أن تطلق على هذه القمة الثنائية مسمّى: «قمة الوعي العربي». فالعلاقة بين مصر والسعودية تاريخية وممتدة، غير أنّ البعد الزمني لهذه الزيارة بما تحمله من رمزية عاطفية، وتأمين لمستقبل البلدين الأمني والاقتصادي والتجاري هو إشارة مباشرة للوعي المتناهي بأنّ مصير الوجود العربي لابد أن يدار من قِبل دولتين لهما مكانتهما الدينية والاستراتيجية والسياسية في المنطقة، وتاريخهما النضالي في مواجهة أعداء الهوية الإسلامية والقومية العربية. مما يقطع الطريق على كل من يحاول اختراق أمن المنطقة واستغلال الأزمات المتصاعدة في دول الجوار كاليمن وسوريا والعراق، متخفيًا بقناع التعاطف مع الشعوب أو المساهمة في فرض السلام. إنّ المصافحة السعودية المصرية تعلن رسالة صارخة في وجوه هؤلاء بأننا، وببساطة، لا نصدقكم، وأننا قادرون على تأمين مصالحنا وحماية دولنا دون الحاجة لأكفكم الآثمة، التي لم تجلب لكل الدول التي سمحت لكم بالنفوذ من خلالها إلا الدمار والخراب والفوضى والموت.
وأن تحتفل مصر كلها - حتى على المستوى الشعبي - بقدوم الملك سلمان والوفد المشارك من وزراء ومسؤولين ومثقفين وإعلاميين، ليست مناسبة عابرة أو عادية. فالفرد المصري المعروف بعمق درايته السياسية، كما يقول عبد الوهاب المسيري في كتابه: حياتي الفكرية، المفكر الدمنهوري الذي كتب أول مقال سياسي له وهو لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره: «ولابد أنني انتمي لجيل كان ينضج سياسياً، فقد كان لي مواقف سياسية وأنا ما زلت بعد في السابعة»، كتب هذا في الأربعينيات من القرن الماضي، متحدثاً عن جيل بأكمله. هذا ما يجعلني أعتقد أنّ هذه الاحتفالات الشعبية، والنبض العفوي الذي يحمله الناس لهذه القمة التاريخية، ماهي إلا رؤية متفائلة بمستقبلها وما تحمله من توقيع لاتفاقيات تعود بالنفع للمواطن قبل كل شيء. وفي مقدمتها جسر الملك سلمان البري وما يحمله من تباشير للحجاج قبل المستثمرين والتجار والسياح، لأني أعرف تماماً، ويعرف غيري، القيمة التي يوليها المسلم المصري لفريضة الحج، وملمحها الروحاني الضارب في العاطفة الدينية البيضاء التي لم شوائب هذا الزمان. مما يضفي على الطريق البري الذي يربط بين البلدين رمزية فكرية وتأملية، قبل أن تكون في ماهيتها تقليصاً للبعد الجغرافي، فقياسًا على ما آلت إليه علاقة البحرين والسعودية، وما أصبحتا عليه من قرب واتفاق وحميمية أيضاً. يمكننا التنبؤ بغدٍ شبيه. نحن اليوم نعيش منعطفاً في المنطقة بكاملها، نقطة زمنية واقعة في ما قبل الاتفاقات وما بعدها. سينعم فيها الإنسان العربي في حقبة تعيد له ثقته وتوازنه واعتزازه. ويصبح حتى الحياد مجرد غصن عارٍ؛ لا يستظل به أحد.