د.فوزية أبو خالد
أتناول في هذا المقال تجربة مكللة باللؤلؤ العرق، وببريق الشباب وبوهج الاجتهاد قام بكتابة أبجديتها الشاهقة مجموعة من طلاب العلم السعوديين خارج المملكة.
فكتبوا الوطن بحبر القلب ممزوجا بشغف المعرفة من خلال عمل خلاق اسمه بصمات مبتعث.
كنت قد اطلعت على التجربة «تصوريا» إن صح التعبير بفضل ما كتبه لي بعض الطلاب والطالبات عنها، مع إرسال رابط موقعها الإلكتروني حين كتبت هنا بالجزيرة سلسلة مقالات عن تجربتي الدراسية بأمريكا خلال تلك التجربة البعيدة من عمري وعمر الابتعاث الذي كان قد توقف أو كاد من منتصف الثمانينيات الميلادية إلى أن أعاد إحياءه الله على يد الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، فوجدت فيما قرأته عن التجربة مواسم ماطرة بالأمل. إلا أنني لم أتصور أن أكون على موعد مع الحظ بهذه السرعة فأصافح الأمل يدا بيد، و ألتقي أبطال تلك التجربة وجها لوجه و أتعرف على التجربة بالمعايشة عن قرب.
ولكن يبدو أنه كما قد تلوح لنا بارقة أمل عبر دعاء أمهاتنا أو نلمح الأمل في نجمة تخاتل ظلمة فقد طرق الأمل باب غربتي بنيويورك عبر بريد الكتروني عذب وصلني موقعا باسم الإبن السامق السامي فيصل اليوسف رئيس فريق العمل بمشروع بصمات مبتعث، يشرفني فيه بالدعوة لحضور لقاء الطلاب ليوم 9-4-2016م.
جاء اللقاء عبر ثيمة محددة هي ثيمة النجاح. فعبر سياق النجاح وسباقه عبرت وتعبر بصمات مبتعث عن أحد ملامح هويتها الإنسانية والوطنية والطلابية. كان برنامج الأمسية حافلا في نفس الوقت جاء خاليا من الخطابة الروتينية المعهودة فلم يستفرد بالميكروفون: أي كان ليطنب ولم يعتل المنصة أحد ليعظ. كان البدء بقراءة شجية لآيات من القرآن الكريم قدمها الطالب محمد قنديل متبوعا بعدد من الفعاليات.
جمع اللقاء تحت سقف واحد تجارب متعددة لكفاح الأجيال المعرفي والوطني.كان هناك تجربتي وكان هناك التجربة الفذة للسيدة رغدة رباح، وكان هناك كبسولة النجاح التي قدمها بروح إبداعية خالية من التعالي المعرفي أ.وافي عسيري. وجاء ختام اللقاء بوقفة اعتزاز بعدد من الأركان المعرفية المتنوعة منها مقتطفات عن الوطن، ركن براءة الاختراع، ركن الانتاج الثقافي، ركن التفوق الجامعي، ركن الفن التشكيلي، ركن الإنجاز الطبي علوما وأدوات، ركن الإعلام، وركن شهداء العلم. وقد ضمت الأركان مؤلفات الطلاب والطالبات من الكتب العلمية والأدبية وكتب الرحلات والكتب التربوية والإرشادية ككتاب كوثر خلف والكتاب المشترك بين أحمد الصفران وأحمد النخلي. وكان من الملفت أيضا خلو الأركان من تلك الكتيبات الدعائية التي عادة ما تلطخ مصداقية مثل هذه اللقاءات.
ولابد في هذا السياق من الإشارة للحضور الجاد والجميل لبصمات مبتعث ولشباب وشابات بصمات مبتعث على نوافذ التواصل الاجتماعي ونوافذ الإعلام التقليدي والجديد معا من الفيس بوك لتويتر ومن سناب شات لليوتيوب مع إطلاق محطة إذاعة باللغة العربية وقناة بصمات بمنطقة نيويورك. وهو حضور شبابي مختلف نوعيا في شكله وموضوعه وطروحاته عن ذلك الحضور النمطي الاجتراري المعتاد لبعض الشيوخ والشباب بمجتمعنا على تلك النوافذ.
لا أظن أنني أبالغ إذا كتبت هنا من خلال لقائي بشباب وشابات بصمات مبتعث أنني وجدت في هذه التجربة عملا جادا للتحالف مع المستقبل. فبصمات مبتعث هي بصمة نجاح، بصمة كفاح، بصمة صبر، بصمة إبداع، بصمة اختراع، بصمة عطاء، بصمة عمل تطوعي، بصمة تفوق، بصمة مشاركة اجتماعية، بصمة شراكة وطنية، بصمة إضافات معرفية، بصمة كشوف علمية، بصمة بصر وبصيرة، بصمة فكر مستنير، بصمة وفاء، بصمة تفاعل إيجابي مع الوجود وبصمة الوجد والحب التفاعلي المنتج. فلولم تقدم بصمات مبتعث الا على تسجيل التجارب التعليمية والعلمية المميزة عبر حقيبة مبتعث لكفاها فكيف وهي تخلق أرضية مشتركة للتفاعل والحوار بين الطلاب المبتعثين على أرض الواقع وعبر الفضاء الإلكتروني؟؟ وكيف وتجربة بصمات مبتعث تعمل على تحويل تجارب المبتعثين إلى وثيقة معرفية أدبية وعلمية واجتماعية يكتبها كل طالب وطالبة بالقلم وبالصوت والصورة.
ويتم تقديم هذه المادة الثرية عبر موقع بصمات وعبر اليوتيوب بالإضافة لإعدادها كمشروع كتاب منتظر سيكون، كما أتوقع كباحثة في مجال الدراسات الاجتماعية، وثيقة من وثائق الإثنوجرافي النادرة في تسجيل جانب غفل من حياة المجتمع السعودي وهو سفر الحياة الدراسية للمبتعث السعودي خارج المملكة.
جئت اللقاء لمشاركة الطلاب صفحة من تجربتي الحياتية في العمل والكتابة و الدراسة باعتباري من الأفواج الأولى لتجربة ابتعاث البنات منتصف السبعينات الميلادية، فوجدت نفسي بكثير من الدهشة الطفولية أعود تلميذة صغيرة على مقاعد الحياة الطلابية لمبتعثي هذا الجيل. تعلمت من هذه التجربة أن ليس هناك صيغة ثابتة عبر الأجيال للتعبير والعمل كما أن ليس هناك صيغة تفاضلية في العلاقة بين الأجيال لصالح الجيل الأسبق كما يدرج القول بذلك. فالقول المعتاد «هذا كان أيام الزمن الجميل» أو»هذا كان في الجيل الثوري»، ليس الا نستالجيا نرجسية من الاجيال السابقة أو في تصويرها. إذ كما لكل زمان دولة وأبطال فلكل جيل بطولاته وزمنه الجميل.
إن قراءة تجربة بصمات مبتعث تعطي مؤشرا يجب الالتفات إليه على مستوى القيادة في تقدير الشباب كطاقات وطنية تملك المعرفة والقدرة على العطاء العلمي والوطني وعلى النهوض بالوطن. فالتحالف مع هذه القوى هو التحالف مع المستقبل وبقدر حاجة البلاد في هذه الظروف العربية والإقليمية والدولية الشائكة على بناء تحالفات ندية متعددة فهو بحاجة أكثر لتقوية وفتح آفاق جديدة للشراكات الداخلية.
لقد وجدت في لقاء الشباب المبتعث تنوعا ثقافيا ومعرفيا مع تمثيل رفيع للحمة الوطنية بما يتعالى على كل المفاهيم الضيقة للمناطقية والقبلية والمذهبية وبما يؤسس بين طلاب العلم شبابا وشابات لعلاقات سوية في وضح النهار يجب تفعيلها على أرض الوطن لتهزم كل مخاطر التأجيج التنابذي وكل أشكال التوحش والعزلة الاجتماعي. لمست انفتاحا معرفيا وحضاريا على الآخر مع اعتزاز بالاستقلالية.
ولكل من يرغب بالاطلاع على عينة معبرة عن هذا القوى الشبابية العزيزة يمكنه قراءة تجارب التميز وبصمات المبتعثات والمبتعثين عبر موقع بصمات مبتعث. http://bssmat.net/
فهناك المتميز في عمله التطوعي الفذ داخل المجتمع الأمريكي بما يصحح تلك الصورة النمطية عن المواطن السعودي المنعزل ويبدلها بصورة تفاعلية حضارية، وهناك صورة الطالب المبتكر والمبدع والمتفوق علميا وحضاريا، وهنا أسجل اسماء بعض نجوم تلك الكوكبة المتميزة علميا وميدانيا ممن التقيت ببعضهم، وأعتذر عن ذكر القليل منها والا فالقائمة تطول مع حفظ الألقاب، فيصل اليوسف صاحب الفكرة ومؤسس المشروع بالإضافة إلى راكان القحطاني، عبدالعزيز الحسينان، إبراهيم الدليجان، عبدالله المشيقيح، أسامة القوافي، غالية خياط، بسمة الشعلان، رزان العقيل، عساف العقيل، خالد النفيسة، عبدالوهاب الشهري، رشا البواردي، نجمة محمد، هوازن قاري، حازم بن حاتم أبو العلا، نور مصطفى الحبيب، فهد البلوي، متعب الشعيفي، جاسم حمود عمر الحربي، ونجوم أخرى. وأختم بأجمل الكلمات رسالة بصمات مبتعث ورؤيتها:
الرسالة
نتشرف بأن نحمل حقيبة مليئة بالإنجازات كهدية للوطن والملك مطوية برائحة الانتماء وعائدة كأسراب الحمام.
الرؤية
أن يحلق هذه البرنامج في سماء جميع دول الابتعاث، وتهبط في عقول وأيدي إخواننا المبتعثين في كل مكان لوضع تاريخهم في كتاب يحتوى على جميع أعمال وإنجازات واختراعات المبتعثين من أول مرحلة حتى آخر مرحلة ليكون شاهداً على عصر ورسالة للأجيال القادمة.