محمد حطيني
زيارة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر، ضربت ودون أدنى شك، ضربت عدة عصافير بحجر واحد، وستظل محل تمحيص ودراسة من قبل الباحثين لفترات طويلة، لما سيكون لها من انعكاسات إيجابية تصب في صالح الأمة العربية، استنادا إلى ما تحقق خلالها من نتائج باهرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي بين البلدين العربيين الكبيرين الشقيقين الواقعين على ضفتي البحر الأحمر، بما يمثل تكاملا استراتيجيا بينهما في المنطقة على هذين الصعيدين تحديدا وهو ما يثلج صدر كل مخلص غيور على هذه الأمة، بالنظر أولا لحجم الاستثمارات والمشاريع السعودية في مصر والتي وصلت إلى عشرات البلايين من الريالات وتضمنت على سبيل المثال لا الحصر، إنشاء جسر بحري بين البلدين، بغية مساعدة الاقتصاد المصري على النهوض من كبوته من خلال توفير فرص عمل لآلاف القوى العاملة المصرية، وثانيا رؤية الطرفين حيال الملفات الساخنة في المنطقة العربية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، والملف اليمني والسوري، والعلاقات مع إيران وتدخلها السافر في العديد من الدول العربية، علاوة ربما على العمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني (الضفة الغربية - غزة)، ومن ثم تهيئة الأرضية المناسبة لإحداث اختراق ملموس في استئناف مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية المتوقفة منذ فترة طويلة، وصولا إلى حل سلمي ينهي حالة اللاحرب واللاسلم في المنطقة.
كما أتت زيارة ولي ولي عهد المملكة، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى الأردن بعيد انتهاء زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر، واجتماعه مباشرة بجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين استكمالا لجهود المملكة الخيرة في تحقيق تكامل ثلاثي الأبعاد بينها من جهة وبين مصر الأردن من جهة أخرى، حيث أكدت نتائج الزيارة على ثوابت ومتانة الأسس الاستراتيجية في العلاقات الأردنية السعودية، بما فيها الجوانب الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية، وتضمنت فيما تضمنته الموقف المشترك من إيران وتحذيرها من الاستمرار في سياسة إشعال الفتن الطائفية والإرهاب التي خطتها مسارا ممنهجا لها في المنطقة العربية، وتأسيس صندوق استثماري مشترك، والعمل المشترك على تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، والتعاون في مجالات أخرى عديدة، بما فيها النقل والطاقة النووية وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، ومكافحة الإرهاب والتطرف.
مواقف حكومة خادم الحرمين الشريفين هذه ليست بأمر غريب البتة عن المملكة العربية السعودية التي تعمل على الدوام على تعزيز روابطها الأخوية والتلاحم بين الدول العربية والإسلامية الأخرى، لاسيما مصر والأردن، وجمع كلمتها في مواجهة التحديات الجسام التي تحيق بالأمة، فقد كان من نتائج زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر، وزيارة سمو ولي ولي العهد إلى الأردن، تشتيت وتبديد أماني الظلاميين في إطفاء الضوء الذي أشعلته المملكة العربية السعودية وتعمله على توهجه وألقه في جمع كلمة الأمة وخدمة مصالحها. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما يستقرأ في الصحف من جهود يبذلها خادم الحرمين الشريفين للتوسط بين مصر وتركيا لطي صفحة الخلاف بينهما، بما يؤسس لتكامل عربي ثلاثي الأطراف ورابع تركي في مواجهة الصلف المجوسي في المنطقة العربية.
إن ما يتوخى ويؤمل من هذا الحراك الذي تشهده عواصم الدول الأربع في هذه الأوقات الحرجة التي تمر بها المنطقة، تحول الأحلام إلى حقيقة تتجسد في الوقوف صفا واحدا منيعا صعب الاختراق، بما يؤدي إلى إحداث نقلة نوعية تترك آثارها الإيجابية في العلاقات العربية العربية والعربية الإسلامية ليس في المدى القصي فحسب، ولكن على المدى الطويل بما يعمل على انطلاقة جديدة راسخة للأمة، وهو ما بدأته المملكة العربية السعودية بكل عزم واقتدار.