د.خالد بن صالح المنيف
تداول الناس مقطع شخص يدعى معيض، والذي جلد فيه صغاره بعنف، وقد تعالت صراخات الصغار بين مستعطف وبين معتذر وبين فزع وآخر باك من السوط وحرارته!
ولن أتحدث عن بشاعة الفعل ولكن سأتطرق لموضوع آخر يتعلق بالسياط!
فالبعض يستخدم سوطا أشد وجعا وأعظم ضررا من سوط (معيض) وتراه يجلد به ذاته (معنويا) حيث يمارس أسلوبا عدوانيا سيئا مع نفسه عندما تخطيء أو تزل به قدم ويتعامل معها بقسوة بالغة وشراسة عجيبة!
فتراه يفرض على نفسه أعتى العقوبات وأشد وسائل التأديب السيئة عنفا وهي ما يسمى بجلد الذات!
وأعرف شخصا ارتكب خطأ قبل سنوات طوال، ومع هذا يقول : لازلت أمارس يوميا حفلة جلد لذاتي!
ووسائل جلد الذات ترتكز على نحو مباشر على تحقير النفس، واستنقاصها، وتشويه المنجزات، وقتل النجاحات، والحديث بعدم الصلاحية وتفضيل كل الناس على النفس!
فهل تستحق نفسك المسكينة منك كل هذا؟
ولماذا نجرد أنفسنا من بشريتها؟
ولماذا نصادر حقها في الخطأ؟ أليس أبن آدم خطّاء!
ولماذا نتعامل مع ذواتنا وكأننا ملائكة منزهين عن الزلل؟
إن جلد الذات له آثاراً مدمرة على المدى البعيد؛ فالذي يعتاد على جلد الذات، أو سمه إن شئت تدمير الذات هو شخص مهزوز من الداخل ضعيف التماسك النفسي، كتلة فشل تتحرك ومفاعل لصناعة وتصدير الكآبة!
والذي يمارس جلد الذات يمارسه بشكل لا واع مع الآخرين؛ فتراه يحطم بشكل مقنن وينتقد بشكل آثم ويجرح بشكل عجيب!
إن الذي يمارس هذا الأسلوب البشع مع نفسه إنما يمارس جريمة عظيمة فأعظم الجرائم هي جريمة لا يعاقب عليها القانون!
وأثرها ليس محدودا بل عاما فتلك الشخصية ستربي أولاد بذات الأسلوب! ومعها سيصدر للمجتمع عاهات نفسية!
أضر نفسه وأضر غيره!
من طوام جلد الذات أنها تقزم من شخصية صاحبها وتشوه الصورة الذهنية عن الذات؛ ومآل هذه الجريمة أن صاحبها يستحيل لظل بشر وتهبط اهتماماته وتسوء تصرفاته، فهو لا يرى نفسه أهلا لمعالي الأمور وشريف السلوكيات لذا تراه لا يجد حرجا من ارتكاب أقبح التصرفات وأدنى التصرفات وأن يسلك أقذر المسالك!
إن الإنسان الذي يثق بنفسه ويتوقع منها العطاء ويعلق عليها آمالاً عريضة هو من سيصنع الحياة الجميلة وسيعمر الأرض وسيزرع الخير!
وقد كان أحد العظماء يوصي خادمه إذا أراد أن ينبهه وقت الاستيقاظ أن يقول له : سيدي قم فإن لديك مهام عظيمة ستقدمها للبشرية اليوم!
وما أروع حديث لاعبة الجمباز أمريكية (شانون ) عندما قالت: ربما لم يعلق الآخرون آمالاً عريضة علي، ولكنني أعلق آمالاً عريضة على نفسي!
ولا عجب فهي أكثر لاعبة نالت ميداليات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية!
وحتى على مستوى المجتمعات والدول فجلد الذات و تقريع الشعوب وتوبيخ الناس لن يجنى منه صلاحا ولا تقدما!
أما آن لنا أن نحتضن أنفسنا ونداوى جراحها ؟ فإن الاستسلام والتفاعل مع الحديث السلبي الداخلي والجنوح لجلد الذات لن يطهرنا من مشاعر الألم، بل سيعمل على مضاعفتها؛ لذا فليكن تركيزك على مستقبلك مستعينًا متوكلًا على خالقك!
سأتحدث لاحقا عن وصفات لتجنب هذا الطبع والعيش بسلام مع النفس!
ومضة قلم
إنَّ أعظم خدمة يقدمها الإنسان لنفسه هي القيام بفحص شامل للعقل وما فيه من أفكار ومعتقدات!