قاسم حول
السينما وفي كل تفاصيلها فن ساحر، ومن سحره أفيشاته، أو ما يطلقون عليه الملصق أو البوستر. وكانت ملصقات الأفلام، وهي تمثل جانباً إعلامياً، لكنه في ذات الوقت قيمة ثقافية تشكيلية، سواء كان باللون أو لمسات الرسامين أو الفوتوغرافيين، وله قوانينه التشكيلية والوصفية.
لا يمكننا أن نتذكر، كم من الملصقات أنتجته السينما العالمية والعربية ضمنها، ولا أحجامها ولا تنوعها بين الملصق التجاري والملصق «الفني» الخاص بالمهرجانات، ملصقات لنجوم السينما وأبطال الأفلام، يتفنن فيها مصممون أكفاء.
أين تحفظ كل تلك الملصقات أو الأفيشات، الأمريكية والفرنسية والإيطالية والهندية وبشكل متميز الملصقات البولونية حيث تشتهر بولونيا بفن الملصق، كم من المخازن تحتاج هذه الملصقات لحفظها من التلف، ولا سيما الملصقات الكبيرة التي تتكون من 21 قطعة، يوم كانت المطابع يستعصي عليها طبع ملصق أكثر من متر واحد طول وسبعين سنتمتراً عرض.
تطورت وسائل العرض ووسائل الدعاية، حل الإلكترون المضاء محل الورق المسلط عليه الضوء! ولم تعد حتى مخازن الأفلام تستوعب تلك الملصقات عبر أكثر من مائة عام. وأصلا لم تعد لها ضرورة. فعمدت شركات الإنتاج بإصدار ألبومات ملونة، تضم أجمل ملصقات الأفلام وأكثر الأفلام انتشارا، وسعت مصر إلى إصدار مثل هذا الألبوم واستكملت إنتاجه، وقام بهذا الجهد غير العادي الفنان «سامح فتحي».
تعتمد الملصقات على أهم نجوم الفيلم، صورهم كلوحات مرسومة بدقة أكاديمية أو بأجمل الصور الفوتوغرافية. في المقابل، فهناك مخرجون يعدّون أكثر إثارة من نجوم السينما، فملصقات أفلام «الفريد هتشكوك» مثلاً، فإنَّ الشركة المنتجة، تعتبر اسم المخرج أكثر إثارة وانتباه من أي نجم في أفلامه. فيحتل اسمه أكبر مساحة من الملصق. أما «شارلي شابلن» فإنَّ ملصقاته بمساحاتها تحتل صورته الفوتوغرافية أو شكله التقليدي مرسوماً. هذه الملصقات في ألبوماتها الملونة تذكرنا بتاريخ السينما، وتاريخ الأفلام وتضم في واجهاتها أسماء إضافية أحيانا من الموسيقيين والمصورين، تثبت أسماؤهم بحروف صغيرة في حاشية الملصق للأكاديميين والنقاد المتابعين. وكذلك يذكرنا الفيلم بأهم الشركات المنتجة مثل «متروجولدين ماير، فوكس القرن العشرين، كولومبيا، يونايتد أرتست، بارامونت..» فنعرف أية شركة عملاقة تولت إنتاج هذا الفيلم أو ذاك.
هذه الألبومات وفرت على الشركات مخازن الأفيشات مع أن شركات الإنتاج وصالات السينما تحتفظ ببعض الملصقات المهمَّة وهي مزججة ومؤطرة ويحن الإِنسان لمشاهدتها. وموجودة في أكبر صالات السينما في العالم.
حسناً فعلت السينما المصرية، والإنتاج السينمائي في حالة تدهور وحالة تراجع، والناس لم تعد تهتم بالسينما بعد غزو التلفزيون للبيوت وتحريم بلدان كثيرة لفن السينما. حسناً فعلت بإصدارها ألبوماً بأفيشات الأفلام. كنت أتصفح الألبوم وأتذكر الأفلام والنجوم الذين رحلوا أو الذين تقاعدوا، أو أولئك الذين لا يزالون يكتبون مذكراتهم، وتطل عليهم قنوات التلفزة بين الحين والحين، وإن بشكل متباعد.
شاهدت في ألبوم ملصقات الأفلام الأمريكية، فانتبهت إلى أول ملصق سينمائي لأول فيلم سينمائي روائي وهو فيلم المخرج «جريفث» بعنوان «ميلاد أمة» والمقصود ميلاد الأمة الأمريكية بعد الحرب الأهلية بين الجنوب والشمال. شاهدت أفلام «شارلي شابلن» واندهشت من جمال التصميم، كنا سابقاً نشاهد «الأفيشات» ملصقة على جدران صالات السينما، ولم نكن نعرف قيمتها الفنية. كنا نعتقد أن الملصق يدلنا على الفيلم فحسب، فيما هو عالم فني ساحر له مبدعوه. إن فن الملصق والملصق السينمائي له مصممون يعملون في شركات الإنتاج وهم جزء من العملية الإنتاجية ككل. ولذا فالتخصص الذي يحملونه يتطور بالضرورة، فترك لنا هذا الفن إرثاً جميلا، وطبعت الملصقات في البومات أنيقة، لا يمكن للإنترنت أن يقدمها، بل هي فعلا تحتاج إلى تلك الألبومات يجلس الإِنسان في صالة بيته، ويتذكر أجمل الأفلام التي يريد أن يشاهدها ثانية، وبوعي ثان بعيداً عن البضاعة الرخيصة التي تدلقها شاشات التلفزة على جمهورها وهم يشاهدونها مرغمين.
شكراً للإصدار العربي، فألبوم الملصق أو ما يطلق عليه «ألأفيش» هو ذاكرة نحتاج ومن خلالها نتذكر الأفلام ونتذكر نجوم السينما العربية. كان الألبوم زاهياً بنجوم السينما المصرية، وأسماء المخرجين، تتألق في الأفيش، وكذا الكتاب الذين استقت أجمل الأفلام موضوعاتها من رواياتهم، وقد أنجزت الأفيشات بطباعة أنيقة، بذل فيها «سامح فتحي» جهداً كبيراً سواء في جمع الملصقات وتصويرها ومن ثم طباعتها في الألبوم، في وقت تم فيه إتلاف الذاكرة العربية لأمة هي بالأساس لا تتذكر.
في حرب الخليج قصف المركز السينمائي لمدينة البصرة وتبعثرت ملصقات الأفلام. أحد الأصدقاء سحبها من تحت الأنقاض ووضعها في رزمة بريدية وأرسلها لي وحملني مسؤولية حفظها منتظراً أن تعاد الحياة للعراق، وتعود السينما وصالاتها، وسوف أرسلها لهم كجزء من الذاكرة العراقية «إن نفعت الذكرى»!
ألبومات ملصقات الأفلام السينمائية كتب مهمة، والملصقات بحد ذاتها فن جميل، والاحتفاظ بالألبوم الذي يضم أهم ملصقات أفلام العالم شيء أجمل، كمن يتصفح لوحات فريدة من نوعها في فكرتها، في ألوانها، وفي تاريخ هذا الفن الذي يطلق عليه الفن السابع وهو جامع الفنون.
* * *
ملصق فيلم «حسن ونعيمة»
ملصق فيلم «حسن ونعيمة» من إخراج بركات وهو من موجة الفيلم الغنائي، بطولة سعاد حسني ومحرم فؤاد، هناك فارق كبير في فهم الفيلم الغنائي، فالفيلم الغنائي في الغرب جزء من البنية الدرامية وهو أشبه بحوار غنائي من صلب الحكاية والرواية، فيما تكاد الأغنية في الفيلم الغنائي المصري أن تكون محشورة في الفيلم وليست ضمن البناء الدرامي للقصة.