قاسم حول
كل ما ينتجه الغرب نستورده! حتى برامج التلفزة نستوردها! وحتى طريقة تنفيذها وتصويرها وإخراجها «ودوكرتها» نستوردها! فقنواتنا تشتري حقوق البرامج التلفزيونية بأثمان خيالية، مع مخرجيها ومصوريها، ونعربها. هذه ليست حادثة جديدة في ثقافتنا المرئية.
فمنذ بدأت موجة «أفلام المجتمع الأمريكي» حتى صرنا ننتج «أفلام المجتمع المصري» ليس بحثاً في مشكلات المجتمع، بل صرنا ننقل المشكلات الأمريكية ونسقطها على واقع المجتمع المصري سينمائياً! كان عدد من «الاختصاصيين» يضعون الفيلم السينمائي الأمريكي على جهاز المونتاج السينمائي «المافيولا» وينقلون الفيلم لقطة بلقطة ويصفونها بالأمكنة والملابس وحتى الإضاءة أحياناً. ثم يقدم السيناريو الجديد «معرباً» للمنتج الذي ينتج لنا فيلماً أمريكياً بلهجة مصرية. ويعطي دور «جنيفر جونز» للممثلة ماجدة، و»كريس كيلي» للممثلة مريم فخر الدين، و «أميدو نزاري» للممثل عماد حمدي.. وهكذا، مسخ كامل لقدرة المبدع العربي، من الممثلين وكتاب السيناريو العرب، والمخرجين العرب.. واحتقار لقدرتهم الإبداعية.
واليوم تشتري القنوات الفضائية «حقوق» برامج تنتجها قنوات الغرب الفضائية وأكثرها شهرة من هولندا، فيتم نقل البرنامج كما هو بفقراته وطريقة أدائه ومكان الجمهور من البلاتو وطبيعة الأضوية وطريقة الإخراج، فجاؤوا لنا ببرنامج «من يربح المليون» ثم اشتروا حقوق برنامج «باخرة النجوم» من شركة «ستارز أون بورد»، وبعدها أتحفونا ببرامج مسابقات الغناء بين الشباب، أيهم يفوز في النهاية بلقب «النجم»!.. وأخيراً اشتروا حقوق برامج مسابقات الأطفال للغناء بأداء لأغاني مطربي تاريخ الغناء العربي!
إن المنافسة في الرياضة وبالذات منافسة لعبة كرة القدم، باتت تهدد حياتنا، فنحن، يوم تلعب هولندا مع بريطانيا، نختفي في منازلنا في حال خسرت بريطانيا، ونتمنى أن تفوز على بلادنا الهولندية، وكثيراً ما كسر البريطانيون زجاج نوافذ بيوتنا أو زجاج نوافذ سياراتنا المركونة قرب الرصيف بسبب خسارة فريق يتكون من أحد عشر لاعباً يتداولون الكرة بين أقدامهم! ويوم تخسر ألمانيا مع هولندا فالله وحده يحفظ بلادنا المنخفضة تحت سطح البحر! فأصبحت لهذه اللعبة مافيات صارت الدول تقدم الرشاوى للفوز برئاسة الفيفا، وقد وصلت الرشوة حد العشرين مليار دولاراً عداً ونقداً!
انتقلت المنافسة الرياضية إلى منافسة الغناء وانتقلت إلى برنامج «فويس كد»، الذين بات المجتمع الهولندي ومجتمعات الغرب يتلذذون بعذابات الأطفال حين يخسرون الفوز ويبكون أمام كاميرات التلفزة وأمام جمهور التلفزة وأمامهم أهاليهم وذويهم، ثم تنزل لجنة التحكيم وتصعد نحو المنصة ويحاولون التصبُّر على الأطفال، والطفل يبكي في حين يعرف أنه غنى بأجمل ما يستطيع وحتى أجمل من المطرب المحكم الذي «يتحفنا» بكلمات رخيصة وأداء دون مستوى الأداء!
السؤال المطروح على القنوات الفضائية وإداراتها، أليس بالإمكان تحويل برنامج «فويس كد» إلى برنامج عربي دون شراء حقوقه من شركات الغرب، أليس لدينا مخرجون موهوبون ومصورون مبدعون؟ ثم لماذا المنافسة بين الأطفال وإلحاق الحيف بعواطف الطفل الذي تدرب وسهر الليالي وتعلم، ثم تحيلون الفرح إلى بكاء ودموع؟! أليس بالإمكان جمع كل من يتم انتقاؤه للبرنامج كي يغني ويحصل على هدية وفرصة للتألق، ويخرج كل الأطفال سعداء بعد أن يتم اختبارهم بعيداً عن الكاميرات وبعيداً عن الجمهور؟
نحن نشاهد مواهب نادرة وقدرات فائقة في فن الغناء من قبل الأطفال، ولهم طرائقهم الخاصة بأداء الأغنية، وليس تقليداً متطابقاً مع المطرب، بل يضفي الطفل من إحساسه ومن وجدانه وقلبه حناناً في طريقة الغناء.. ولذا فهم يستحقون التكريم ولا يحق للجنة التحكيم إبعادهم والاعتذار منهم أمام الجمهور.
مخرجون سينمائيون تتنافس أفلامهم في المسابقات وهم يملكون من الوعي ما يؤهلهم لاستقبال نتائج المسابقات السينمائية، ولكن عندما يشعر المخرج بالحيف والظلم من قبل لجان التحكيم لهذا السبب أو ذاك يعود حزيناً وقد يمكث في غرفته بعيداً عن حفل الختام ويعود إلى مكان إقامته والحيف يلاحقه في الطائرة وفي الدار ولفترة طويلة! فكيف يتم التلاعب بعواطف الأطفال وإلحاق الحيف بهم.. حتى لكأنني أشعر بشيء من «السادية» أو «المازوخية» تتمتع بها لجان التحكيم على حساب عواطف الطفولة ودمعها الحارق للخدين، ويبقى أهلهم الذين يستضيفهم البرنامج وهم تحت الأضواء والكاميرات يذرفون الدمع على خيبة الطفل وشعوره بالحيف.. هناك طرائق أجمل للتعامل مع الأطفال.. لكننا على ما يبدو، خاضعون لكل ما يرسله الغرب من الخراب المادي، الإعلامي، والثقافي، وعسى أن يصار إلى تفكير سليم يثق بالإبداع العربي في جانب، وفي جانب آخر، يرسم الفرح لا الحزن على محيا الأطفال ويرسم الأمل في عيونهم بديلاً عن الخيبة!