د. محمد عبدالله الخازم
معرض الرياض للكتاب تجاوز كونه مجرد معرض كتاب إلى كونه تظاهرة ثقافية، ينتظرها سكان الرياض والمملكة كل عام. ووفق ما يُعلن كل عام من حضور، مبيعات وإقبال من الناشرين، فإنه لا يستطيع أحد أن ينكر أن المعرض يحقق أرباحًا جيدة، بل يمكن القول بأن المعرض تجاوز كونه خدمة مجتمعية تقدمها وزارة الثقافة إلى فرصة اقتصادية ربحية متميزة. ورغم ذلك، فما زال يدار بطريقة الفزعات وإدارة الأزمات؛ بدليل أننا ننتظر كل عام حتى قبل موعد المعرض بأشهر قليلة لنكلف مديرًا وفريق عمل لإدارة المعرض، تنتهي مهمتهم مع آخر يوم للمعرض وكتابة تقاريره الروتينية.
وهذا العام أضيف معرض شقيق، ألا وهو معرض جدة للكتاب؛ ما يعني زيادة مهام وزارة الثقافة في تنظيم أكثر من معرض للكتاب؛ لذا أراه ملحًّا النظر في إدارة معارض الكتاب وربما بعض النشاطات الأخرى ذات العلاقة عن طريق شركة محترفة، تؤسسها وزارة الثقافة لهذا الغرض.
ربما تكون شركة خاصة بإدارة المعارض الثقافية أو معارض الكتب، وربما تكون شركة تتولى إدارة معارض الكتاب والإشراف على المكتبات العامة والمشاركة في المعارض الدولية ذات العلاقة، وغير ذلك من المهام الثقافية ذات العلاقة، كأن تتولى الشركة مستقبلاً تأسيس وتنظيم المسارح والعروض، وغيرها.
هذه الشركة لن تكلف الدولة كثيرًا؛ فمركز الملك فهد الثقافي مناسب جدًّا ليكون مقرًّا لها في البداية على الأقل، وستتمكن من تغطية تكاليف تشغيلها، بل إنها ستدر دخلاً إضافيًّا لوزارة الثقافة، يمكنه دعمها في النشاطات الثقافية الأخرى.
هذه الفكرة أصبحت أكثر قبولاً مع برنامج التحول الوطني، ومع مبادرة وزارة الثقافة بتأسيس شركة إعلامية، تتولى إدارة قناة الإخبارية، وربما غيرها من القنوات مستقبلاً. بل إن هناك وزارات أخرى أسست شركاتها الحكومية القابضة، كوزارة التعليم ووزارة الصحة، وغيرهما. وستتجاوز فائدتها الجوانب المادية إلى التدريب والتطوير للكفاءات الوطنية العاملة في هذا المجال.
معرض الرياض أو معرض جدة يجب أن يتم التحضير لهما طيلة العام بطريقة احترافية، وأن يتم تحريرهما من الفكر الإداري الحكومي، الذي يؤدي وظيفته بشكل روتيني، يخلو من الحافز الاقتصادي المؤدي للتحدي والإبداع. كدليل على خلوه من الإبداع الاقتصادي فإن المعرض يعتمد على الرسوم التي يحصل عليها من الناشرين، ولم يفكر في جلب رعاة إضافيين، يسهمون في زيادة دخله، ولم يفكر في إحضار كتّاب كبار من الخارج لندواته، وظل يكرر استضافة أناس لمجرد حضورهم الإعلامي أو لعلاقاتهم الشخصية، وليس لعلاقتهم بالنشر والتأليف.
سيأتي من يقول إنك تخرج المعرض عن فضاء النشر وترويج الكتاب بالدعوة لجلب الرعاة وغير ذلك من الأفكار الاقتصادية. الحقيقة، إن معرض الكتاب يشكّل تظاهرة كبرى، يزورها مئات الألوف، وتحلم القطاعات التجارية الكبرى بالمشاركة في رعايته، وحتى تلك الشركات الخدمية التي توجد في المعرض يمكن أن يصبح حضورها تنافسيًّا، يحكمه العرض والطلب، وحينها ستزداد مداخيل المعرض. وفي النهاية، هذا الأمر يعني توسعة مساحة المعرض، وزيادة نشاطه، وإيجاد مصدر دخل يدعم الأنشطة الثقافية الأخرى.
أعلم أن هناك مَن يفكر في تأسيس هيئة ثقافية بدورها تتولى اختيار الآليات الأنسب لإدارة المعرض، وهل يكون عن طريق شركة حكومية أم عن طريق القطاع الخاص، وأخشى أن نضيع سنوات أخرى ريثما يتم تأسيس الهيئة، ومن ثم انتظار عطائها، وفي النهاية نكون كمن خلق طبقة بيروقراطية جديدة تحت الوزارة. أرى أن يتم تأسيس شركة الكتاب سريعًا، ولا بأس في حال تأسيس هيئة لاحقًا أن تصبح مشرفة رقابيًّا على هذه الشركة. أي أننا لن نخسر بالبدء في تأسيس الشركة، حتى ولو حُوّلت الثقافة بأكملها إلى هيئة مستقلة. وإن كنت ما زلت عند رأي قديم، سبق أن طرحته بتأسيس هيئة السياحة والثقافة ككيان مستقل.
أسهبت في الفكرة رغم بساطتها، وألخصها بالدعوة إلى تأسيس شركة الكتاب السعودية - أو أي اسم يتم اختياره- تتولى الإشراف على معارض الكتب، أو معارض الكتب والمكتبات العامة.