د. محمد عبدالله الخازم
يبدو أن فكرة تأسيس جامعة الحرمين لازال لها جاذبيتها لدى مسؤولي الحرمين الشريفين، وقد توقعت أنهم أسقطوها بعدما أوضح كثير من الأكاديميين تحفظهم وإعتراضهم عليها. معالي رئيس شؤون الحرمين الشريفين عاد وأعلن الفكرة قبل أيام، مستنداً على العبارات العاطفية المتمثلة في كوننا خدام الحرمين ونحرص على كل ما من شأنه رفعته...الخ. الموضوع أكبر من العواطف والأحلام، ويتطلب دراسات علمية موضوعية تتعلق بالجانب الأكاديمي والاحتمالات المستقبلية، تعلنها الجهة المعنية بالتعليم وزارة التعليم وليس رئاسة شؤون الحرمين. أعيد كتابة هذا المقال للتذكير بما سبق أن طرحته في هذا الشأن لأنني لا أرى جدوى أكاديمية لهذه الجامعة وأريد إبقاء صورة الحرمين ناصعة بقيمها الروحية والقيمية.
يبدو أن عملية تأسيس جامعة أصبحت طموحاً لبعض الجهات في القطاع الخاص والحكومي، وكأن تأسيس الجامعة عملية سهلة المنال ويكفي حيازة قيادات القطاع على ألقاب أكاديمية ليكونوا مؤهلين لتأسيسها، بالرغم من مشاغلهم الإدارية الأخرى، أو كأن الجامعة هي الإنجاز الذي سيرفع سمعة الجهة وأسهمها في مختلف الأوساط. لا أريد أن أقول بأن الخلط بين الطموح الشخصي الأكاديمي وبين معرفة حدود مهام المؤسسة التي يديرها الشخص هي الدافع لمثل ما قاله معالي رئيس شؤون الحرمين الشريفين.. رغم أن معاليه لم يوضح، هل يريد جامعة الحرمين بإشراف وإدارة رئاسة الحرمين الشريفين، أم أنه مجرد يقترح الاسم لجامعة جديدة تابعة لوزارة التعليم - التي لم تعلق على الموضوع؟
لست أعترض هنا على الجدوى الأكاديمية لجامعة متخصصة في العلوم الشرعية واللغوية، فالأمر يحتاج دراسات أوسع، لكنني أرى تجربتنا السابقة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تحاول تجاوز تخصصها في الدراسات الإسلامية والشرعية لتصبح جامعة عامة في تخصصاتها العلمية والهندسية والصحية، وإن احتفظت باسمها القديم. جميع جامعاتنا -باستثناء جامعتي البترول والحرس الوطني- تحوي أقساماً شرعية ولغوية ومن ضمنها جامعة أم القرى الأقرب للحرم المكي الشريف.. ولا بأس من زيادة أقسام الدراسات الإسلامية بالجامعات القائمة إن ثبتت الحاجة إلى مزيد من خريجيها، وأشك في ذلك.
بعض الجهات أسست كليات أو جامعات تابعة لها بحجة محاولة تغطية احتياجاتها من القوى العاملة وطبيعتها التخصصية، وهذا لا ينطبق على رئاسة الحرمين الشريفين حيث التوظيف لديها محدود جداً وفي تخصصات يسهل تغطيتها من قبل الجامعات القائمة. الحرمان قبلة أفئدة المسلمين من كافة الأطياف والمذاهب والجنسيات، وحينما تستحدث جامعة باسم الحرمين، فهذا يعني أن تكون جامعة منفتحة على جميع تلك المذاهب والطوائف، فهل يمكن حدوث ذلك؟ أم تكون جامعة محلية غير قادرة على كسب تقدير العالم الأكاديمي والفكري عالمياً، الذي ينظر للحرمين نظرة تقديس مختلفة ويتوقع منه الكثير؟ لا نريد أن تصبح الجامعة الموعودة مصدر إستفزاز للفكر الإسلامي المتنوع الذي يفترض أن يمثله الحرمين ويتوقعه العالم من الحرمين؟
رئاسة الحرمين الشريفين مهامها محدودة في الإشراف على الحرمين الشريفين وإدارتهما اليومية، بالتنسيق مع الجهات الأخرى، ويجب أن لا تشتت جهودها ويتم إدخالها في مجالات تتجاوز مهامها الأساسية.. ليست من مهامها الدعوة بمفهومها الوظيفي الأممي وليس من مهامها تطوير القوى العاملة في المجالات الشرعية، كذلك.. الحرمان ليسا مثل أي مسجد آخر، بل لهما خصوصيتهما التي لا نريد أن تشوهها مشاريع غير ناضجة بما فيه الكفاية.
يُوجد في رئاسة الحرمين أساتذة أجلاء، يمكن استقطابهم من قبل جامعة أم القرى أوالجامعة الإسلامية لممارسة المهام التعليمية والبحثية.. أما في حالة احتياج رئاسة الحرمين لأبحاث في مجالات محددة، فيمكنها كذلك الاستعانة بالجامعات للتعاون معها في هذا المجال، وكل يتشرف بخدمة الحرمين في مجال البحث العلمي وغيره من المجالات.
ليعذرني معالي رئيس شؤون الحرمين على مباشرتي في معارضة فكرته؛ فأنا أراها فكرة عاطفية ليست عملية وعلينا أن نخرج من عباءة تقليد بعض الجامعات - المشاريع الإسلامية سواء حملت ذات المسمى ذاته أو غيره. مهما ادعينا بأن طموحنا أن تكون الأفضل وتنافس الآخرين، الظروف تختلف والزمان يختلف، ولن تستطيع جامعة إسلامية جديدة منافسة من سبقها بهذه البساطة. ولو كان الحلم والفلوس هي الأساس لرأينا جامعة الملك عبدالله تنافس مثيلاتها العالمية.