اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
أما بريطانيا، فتطلق في لندن العنان لإعلامها وبعض مسؤوليها ليتهموننا بانتهاك حقوق الإنسان في اليمن، واستهداف المدنيين والبنية التحتية، من خلال مشاركتنا في عاصفة الحزم، التي كانت بريطانيا جزءًا من الموافقة عليها؛ بل ومباركتها، ناسية أو متناسية أن قدوتنا ورسولنا الذي نلتزم بمنهجه حتى في الحرب، يأمرنا ألا نقطع الشجر أو نتلف الزرع أو نؤذي حتى الحيوان، ثم يأتي سفيرها لدينا السيد سايمون كوليس، ليصرح في الصفحة الأولى من جريدة الرياض، السبت 10-6-1437هـ، الموافق 19-3-2016م، العدد 117435، إثر زيارته مركز عمليات قوات التحالف الإسلامي المشترك ضد الإرهاب في الرياض: (... وأعتقد نجاح هذا التحالف الإسلامي، لاسيما بعد نجاح التحالف العربي الذي قادته المملكة في اليمن).. فكيف يكون العمل ناجحاً يا سيد كوليس، إن كان فعلاً ينتهك حقوق الإنسان ويستهدف البنية التحتية، حسب زعم بعض مسؤوليكم وإعلامكم في لندن؟ ثم يستطرد كوليس، مؤكداً أن حكومة بلاده دعمت التحالف العربي في اليمن منذ بداياته، ووفرت كل الخبرات والإمكانات لدعم المملكة في تحالفها والحكومة الشرعية في اليمن، وأن بلاده تدعم المملكة علمياً وعسكرياً. وهنا أيضاً أتساءل: كيف تقدم بلادك يا سيد سايمون سلاحاً محظوراً كما يزعم إعلامكم وبعض مسؤوليكم؟ ألا ترون هذه المغالطات، بل قل المؤامرات؟! وأعجب من هذا وأغرب، تظهر هذه الازدواجية في المعايير، وتقاطع المصالح، حتى بين الغرب نفسه والقوى العظمى، متى كان ذلك محققاً للمصلحة، بصرف النظر عن أية شعارات استهلاكية، ففي الوقت الذي يصنف البنتاغون روسيا على رأس قائمة الأخطار المحدقة بالولايات الأمريكية المتحدة، نرى وزير خارجيتها (جون كيري) متأبطاً يد وزير خارجية روسيا (سيرجي لافروف) يومياً تقريباً في المحافل الدولية، لاقتسام الكعكة في سوريا.
وفي السياق ذاته، تقرر أمريكا إنهاء القطيعة مع (الدولة المارقة كوبا)، حسب تصنيفهم؛ فتسبقه الشركات الأمريكية العابرة للقارات إلى هافانا.
من الخميني إلى خامنئي:
استمعت لخطاب علي خامنئي، مرشد (الثورة الإسلامية) في إيران، أمام مجلس خبراء القيادة الجديد، الذي يتألف من (88) عضواً من الفقهاء الدينيين المعنيين باختيار زعيم للبلاد خلفاً لخامنئي بسبب اعتلال صحته؛ مباركاً لهم الانتخاب، مثنياً على جهود سابقيهم وحاثاً لهم على جد السير على نهج السلف. وأهم ما لفت نظري فيه، إصرار هؤلاء القوم على نهجهم (الثوري) حتى بعد مرور ستة وثلاثين سنة على قيام (ثورتهم) بقيادة الخميني، التي ألحقت كل هذا الخراب والدمار بالمنطقة، وتسببت في اضطرابات عمّت العالم بأسره، بسبب تبنيها الفكر الإرهابي (الثوري) الذي يتقرب إلى الله بحز رؤوس الأبرياء وبقر بطونهم، وسبي محارمهم، وتدمير مساكنهم على رؤوسهم بعد نهب كل ما فيها؛ بل حتى إيران نفسها لم تسلم من رياح (ثورتهم) الهوجاء، فقد كانت أيام الشاه تحظى بشيء من احترام، خاصة من الغرب، لأنها كانت دولة نظامية، مسؤولة إلى حد ما، بصرف النظر عن اتفاقنا مع الشاه أو اختلافنا معه؛ إذ أسس فيها جيشاً منضبطاً قوامه (750) ألف عنصر، عُدَّ خامس جيش في العالم آنئذٍ؛ كما أن اقتصادها كان قوياً موجهاً لخدمة مواطنيها.
أما اليوم، فقد تحولت إيران إلى ميليشيا منفلتة، تنشر الفوضى وتزرع الخراب والدمار (وتوزع صكوك الجنة) حيثما حلّت، باسم الفكر (الثوري) المنحرف. وخضعت لعقوبات دولية لعقود، بسبب نزق قادتها ومشاغبتهم، أرهقت اقتصادها وفتَّت عضده، هذا فضلاً عن جنوح سياسة زعمائها التي خلّفت آثارها على البلاد نفسها، حسبما نشاهده اليوم من اضطرابات ومظاهرات واحتجاجات وقلاقل وبطالة واحتقان الشارع واستعداده للانفجار في أية لحظة.
أقول، أدهشني حديث خامنئي أمام مجلس خبراء النظام، وتلخيصه لساعة تامة من خطبته فيهم بقوله: (على مجلس الخبراء أن يفكر بطريقة ثورية، ويعمل بطريقة ثورية، ويبقى ثورياً دائماً). ولا أدري إلى أين يريد هؤلاء أخذ المنطقة، بل حتى بلادهم بثورتهم هذه، خاصة إذا علمنا أن هذا المجلس يتكون أساساً من كبار العلماء والشخصيات البارزة في كافة المحافظات. غير أن من يتذكر مقولة الخميني الشهيرة: (إن جميع ذرات الكون تخضع لإمامنا الذي له مقام محمود ودرجة سامية، لا يبلغها حتى الملائكة المقربون ولا الأنبياء المرسلون)، لن يحتار كثيراً في معرفة الإجابة عن هذا التساؤل.
لكن مع هذا، ففي حديث خامنئي أشياء مهمة، يجدر بنا أن نأخذ بها قبل مجلس خبراء النظام؛ أجل.. أعرف أنه قد يُدهش هذا البعض، لكن اسمعوه إذ يقول: أعرف أن حاجة البلاد لا نهائية، غير أنه ثمة ثلاثة أولويات علينا الاهتمام بها وجعلها نصب عينينا والعمل على تحقيقها على حساب كل شيء، هي:
1- الاقتصاد المقاوم، إذ ينبغي علينا تأسيس بنية اقتصادية متينة، تحقق للبلاد اكتفاءها الذاتي، وتدعمها في وقوفها أمام أي محاولات (من دول الاستكبار) للتأثير عليها. ولهذا أوصي بتأسيس مركز قيادة للاقتصاد المقاوم. علماً أن شعارهم الدائم يقول: اقتصاد المقاومة، إقدام وعمل.
2- التقدم العلمي، فـ(العلم سلطان)، علينا تحفيز الإبداع العلمي بين مواطنينا، فرأس مال الاقتصاد العلمي قليل، وفي الوقت نفسه، نتائجه هائلة. وإذا اجتمع لدينا المال والعلم، امتلكنا قوة حقيقية تجعل الكل يفكر مليَّاً قبل أن يحاول مشاكستنا أو الاصطفاف ضدنا، لأنه ساعتها يكون هو الخاسر الأكبر. ويشيد هنا بحديث قائد الحرس الثوري، الذي يؤكد إنهم لن يخسروا شيئاً إن حاصرهم العالم كله بسبب تجارب صواريخهم البالستية، التي تزامنت مع مناورة رعد الشمال، لأنها صناعة محلية مئة بالمئة، فكراً وعلماً وتمويلاً. وبالتالي لا يهم أن يرضى عنهم البعض أو يغضب عليهم الجميع.
والحقيقة، كل المحلِّلين السياسيين والاقتصاديين أكدوا أن الحرس الثوري حل مكان الخبرات الأجنبية في كل مرافق صناعة النفط الإيرانية عند انسحاب الشركات الأجنبية أثناء فترة العقوبات؛ مما دفع تلك الشركات للعودة إلى إيران حتى قبل أن يجف مداد توقيع اتفاقها النووي مع الغرب، لتعويض ما فاتهم من الكعكة أثناء سنوات العزلة والحصار الاقتصادي. ولهذا أوصى خامنئي مجلس خبراء النظام بدفع جهود تأسيس وزارة خاصة للبحث العلمي.
3 - صيانة الثقافة، إذ يقول خامنئي إنها تحفظ الهوية، وتبقي جذوة الثورة مشتعلة.
وبجانب هذا كله، يوصي خامنئي بـ (التغلغل) بين الموظفين والمسؤولين في الدولة للأخذ على يد كل منحرف عن مسار الثورة وأهدافها، إضافة إلى (التغلغل) وسط المجتمعات الأخرى لنشر فكر الثورة في أوسع نطاق ممكن. وقطعاً يقصد بـ(التغلغل) (التجسّس) مثلما تأكد لنا من خلال تلك الخلية الإيرانية، التي ضبطها الأمن في بلادنا مؤخراً، وهي تسعى لزرع أعين لها وسط شركة أرامكو، ضمن ما تعمل على تحقيقه من أهداف خبيثة. ويسمي خامنئي هذه النقاط الثلاثة، بـ(القدرات الذاتية).
كما يوصي خامنئي أيضاً، مجلس خبراء القيادة قائلاً: تعلمون أن خطط الغرب (أمريكا وبريطانيا) تهدف لزرع الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنَّة، ولهذا عليكم تفويت الفرصة عليهم. وكم تمنيت أن يكون الرجل صادقاً في ما يقول؛ فلإيران ماضٍ عريق، وموقع جيوسياسي مهم، وثروات طبيعية هائلة، وقدرات بشرية لا يستهان بها، يمكنها أن تساهم بدور كبير في استقرار العالم، وتحقيق أمنه وسلامه ورخائه، إن هي التزمت جادة الحق، وسخَّرت كل تلك الإمكانات للخير، لا للشر والظلام والخراب والدمار. لكن للأسف الشديد، الواقع يؤكد عكس هذا تماماً؛ فبجانب تدخلها المكشوف في دول المنطقة على أساس طائفي بحت، بهدف التشييع وتصدير الثورة، ومن ثم ممارسة الأجندة الخفيَّة في السيطرة، إلا أنها في الداخل الإيراني نفسه تمارس سلوكاً طائفياً مقيتاً؛ إذ لا تكف عن تلفيق التهم صباح مساء لإعدام أهل السنَّة والجماعة، فضلاً عن هدم مسجدهم الوحيد في طهران؛ مع أن أمريكا نفسها التي تصفها إيران بـ(الشيطان الأكبر والصنم الأكبر) لا تمنع المسلمين، سنَّة وشيعة، من أداء شعائرهم في مساجدهم، مع اختلاف العقيدة جذريَّاً. بجانب التفرقة العنصرية البغيضة التي تمارسها إيران ضد إخوتنا عرب الأحواز بسبب ارتدائهم الزَّي العربي والصلاة جماعة.. فأي دين هذا و أي ثورة تلك؟!.
وهم داعش وعبثها:
يقولون عنها (الدولة الإسلامية)، وأقول بملء الفاه إنها (الدولة الوهمية العبثية المزعومة)، تكونت من شرذمة عملاء مخابرات عالمية، غربية إيرانية صهيونية، من حثالة المجتمعات وأكثرها جهلاً وحقداً وظلماً وانحرافاً وإجراماً وقسوة وبعداً عن الدين، واستهتاراً بأرواح الناس، لاسيما الأبرياء الضعفاء من النساء والأطفال وكبار السِّن. فالكل يشهد اليوم على ولوغهم في الجريمة بكل أشكالها، لتمزيق جسد الأمة وتعريض استقلال بلدانها للخطر وتفريق وحدتها وتبديد ثرواتها، لكي يجد الغرب مسوغاً دائماً لاستغلال المنطقة، وتترسخ أقدام الدولة الصهيونية أكثر فأكثر في أرض فلسطين؛ و تجييش العالم كله للحرب على الإسلام والمسلمين، خاصة الأقليات من إخوتنا الذين يعيشون بين ظهراني الغرب، إذ بعد كل عملية انتحارية عبثية، يتنفس المسلمون هناك الصعداء، فتحرق مساجدهم ويكال إليهم السب والشتم، فضلاً عن نظرات الازدراء والاحتقار حتى من الأطفال. وأبسط مثال ما يحدث الآن في بلجيكا التي زلزل مطاراتها وقطاراتها وهم داعش وعبثهم، ومن قبلها فرنسا، مع عدد أن المسلمين في بروكسل أكثر من عدد المواطنين الأصليين.
وليس هذا اتهاماً جزافاً، بل قول يصدقه واقع الحال، فالإرهابيين الذين تم القبض عليهم في بلجيكا مؤخراً، ثبت أنهم من مرتادي الحانات، ومتعاطي المخدرات، وسارقي السيارات، وخريجي السجون، إضافة للداعشي الأسير لدى أكراد سوريا، الذي ظهر مؤخراً على قناة الـ(BBC) ينفث دخان سيجارته بين شعر لحيته (الكثَّة) على الشاشة، في مشهد خارج عن أي ذوق أو أخلاق. فضلاً عن شبق الدواعش بالجنس ومتاجرتهم بأعراض الحرائر، في ممارسات مخزية، لا يفعلها حتى أولئك الذين يحاربونهم باسم الدين.
ولا أقول إن جرائم هؤلاء الدواعش (الفواحش) لا تحصى فحسب، بل إن ممارساتهم كلها تقوم أساساً على الجريمة والتآمر، وأراهن الجميع أن يذكر لي ولو حسنة واحدة فقط لهؤلاء الجهلة الغوغائيين، الذين يصبون الزيت على النار كل يوم، وينشرون الخراب والدمار.
وأعرف أن هؤلاء لا يفهمون ولا يُردعون إلا بمنطقهم نفسه الذي جرأهم علينا، ولهذا اكتفي هنا فقط بتذكيرهم بالرحمة التي لم يعرفها قلبهم، ولم تدخل قاموسهم مطلقاً.. رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه التي غلبت غضبه، بل حتى بالحيوان. الرحمة التي هي جوهر هذا الدِّين الذي أرسل الله به رسوله رحمة للعالمين، كما جاء في سورة الأنبياء الآية (107)، إذ يقول الله الرحمن الرحيم، مخاطباً رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
الرحمة التي اشتق الله منها اسمين من أسمائه الحسنى (الرحمن الرحيم)، فاتصف عزَّ وجل بالرحمة العامة الشاملة، وخلق عباده ورزقهم وهداهم سبلهم، وأمهلهم فيما استخلفهم وخوَّلهم، واسترعاهم في أرضه، واستأمنهم في ملكه ليبلوهم أيهم أحسن عملاً. وقد شملت رحمته سبحانه وتعالى في الدنيا الناس جميعاً، مؤمنهم وكافرهم. وورد اسم (الرحمن) في القرآن (57) مرة، في حين ورد اسم (الرحيم) (114) مرة، بعدد سور القرآن.. سبحان الله، وجاء اسم (الرؤوف) (10) مرات. وافتتحت كل سورة في القرآن، ما عدا سورة التوبة، بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).
أما رحمة الرسول، الذي لم يرسله ربُّه إلا رحمة للعالمين، فقد شملت الإنسان والحيوان والنبات وحتى الجماد؛ أما سمعتم قوله عليه الصلاة والسلام مخاطباً جبل أحد: (أحد جبل يحبنا ونحبه)؟ فالرحمة ديدن حياته التي لم تخرج لحظة واحدة عن هذا المفهوم السامي، حتى في أصعب اللحظات، وهو يتعرض لظلم يستهدف حياته الشريفة، لكنه لم ينتقم لنفسه قط، ولم يحمل الناس كرهاً على الإسلام؛ فكان يصبر ويحتسب ويخاطب قومه: (إنما جئتكم من الله بما بعثني به، وقد بلغتكم رسالات الله، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله بيني وبينكم)، ولم يلعنهم أو يسبهم أو يتوعدهم بجز الرؤوس والصلب؛ بل لم ينتقم حتى بعد أن أظهره الله ونصره عليهم.. بل زاد في الكرم معهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). ومما جاء في خطبته بعد فتح مكة، أمام الأعداء المهزومين: (لا أسرق ولا أزني ولا أقتل نفساً بغير حق، ولا أقتل البنات ولا آتي ببهتان). فعفا عليه الصلاة والسلام، عن هبّار بن الأسود، مع أنه كان سبباً في وفاة السيدة زينب بنت رسول الله، كما عفا عن عكرمة بن أبي جهل، مع كل ما تعرفونه له من سجل غير مشرف في قتال المسلمين، فضلاً عن أنه ابن أبي جهل. واستقبل، عليه الصلاة والسلام، عبد ياليل بن عمرو بن عمير، حين جاءه على رأس وفد ثقيف، مع أنه هو الذي سلَّط عليه الصبية، وأشرار الناس وأوباشهم يضحكون عليه ويهزؤون منه، عندما جاءه في جبل الطائف، بأبي هو وأمي، وأشار عليهم بإلقاء الحجارة والوحل على النبي؛ فصبر رحمة بهم ولم يدع عليهم بالهلاك، ولو فعل لما خذله ربُّه. بل امتدت رحمته عليه الصلاة والسلام، لتشمل المعاهد الذمّي، إذ يقول: (من قتل معاهداً، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد عن مسيرة أربعين عاماً). فهذا هو ديننا أيها الدواعش، رحمة للعالمين في كل أمره.
أما أنتم، فقد أحسن أخي صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل عندما سمّاكم (فاحش). وهو قطعاً محق، إذ لم تتركوا فاحشة إلا ارتكبتموها، بل زدتم عليها حتى خجل من فحشكم وبغيكم الشيطان. ولهذا تستحقون إن أضيف إليكم اليوم اسماً جديداً تستحقونه بجدارة: (جاهل)، فلا أحد يجرؤ على ما اقترفتموه في حق الإنسانية غير جاهل مثلكم، عشّشّ الجهل المطبق في رأسه، فأعماه عن كل شيء. فأي دين هذا الذي تدّعونه، وأي جهاد وأي (فحش) وأي (جهل).. قاتلكم الله أنّى كنتم.
أوروبا.. يداكِ أوكتا:
قطعاً، يحزن كل إنسان سوي لكل قطرة دم تراق ظلماً، أينما كان، إذ ليس من حق أحد أن يصادر حق الآخرين في الحياة تحت أي مسوغ.. ولهذا أرى في ما تشنه عصابات الموت والدمار من خراب وتعدٍ على الحرمات وتعطيل لحياة الناس في طول العالم وعرضه، إجحافاً لا يمكن وصفه في حق البشرية. مما يوجب تعاون الجميع لقطع دابر الإرهاب، أيّاً كان مصدره.
وقد سبق أن حذّرت (وغيري) الغرب في أكثر من مقال، من سياسة الكيل بمكيالين، والاهتمام بمصالحه من خلال دعم أنظمة الحكم المتسلطة أمنياً وعسكرياً، دونما اعتبار لحق الشعوب في العدالة؛ وأكدت أن الحل يكمن في التفكير في الخير للجميع، عبر ترسيخ أنظمة حكم سياسية رشيدة ومسؤولة. بل سبق فقيدنا الملك عبدالله بن عبد العزيز، -رحمه الله-، الجميع، فحذَّر أوروبا وأمريكا من إرهاب الدواعش، لكنهم لم يأخذوا الأمر على محمل الجد. فاستيقظوا على خمسة آلاف مجند من مواطني الاتحاد الأوروبي وحده في صفوف الدواعش، وأرهقت ميزانيتهم بسبب تشديد الإجراءات الأمنية الاحترازية؛ ومع ذلك حدث ما لم يكن في الحسبان، فاستيقظت بلجيكا، للأسف الشديد، على أسوأ كارثة دموية لم تعرف لها مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، ومن قبلها فرنسا، ولا أحد يدري عمَّا يخبئه المستقبل من شر مستطير للعالم كله، إن لم يتكاتف الجميع.
وعلى كل حال، كما يقولون في الغرب (ما يزال دوماً في الوقت متسع)، وعليه، أتمنى صادقاً ألا يخطئ الغرب التقدير هذه المرة أيضاً، فيسعى جاداً لحل قضية فلسطين على أساس عادل، ومناصرة الشعوب المظلومة والكف عن دعم الأنظمة القمعية التي تساند الإرهاب وتبدد ثروات شعوبها، والعمل على تحقيق المصالح المشتركة، بعيداً عن نظرية المؤامرة والاستغلال. هذا هو السبيل الوحيد لحياة آمنة، فالناس في هذا العالم كالمسافرين في سفينة واحدة، ولن يصل أحد إلى وجهته إن لم يعمل الكل بإخلاص من أجل الآخرين.
الاعتماد على الله ثم على الذات:
تعلمنا في المدارس العسكرية أن من أراد الانتصار في الحرب فعليه امتلاك القوة، ومن أراد العيش في سلام فعليه امتلاك القوة، ومن أرادهما معاً فعليه أيضاً امتلاك القوة. وتعني القوة هنا القدرات البشرية المتعلمة المدربة، والتقنية العلمية التي توفر الأجهزة المتطورة اللازمة والآليات والمعدات، وقبل هذا وذاك، عقيدة خالصة صادقة، وولاءً لا تشوبه شائبة.
ولهذا علينا أن نشمِّر عن الساعد، ونعمل بجد لتأهيل كوادرنا البشرية كما ينبغي، ونغلق ملف المعلم الأجنبي والمدرب الأجنبي إلى الأبد، ثم ننشئ مصانع للسلاح بكافة أشكاله وآلياته ومعداته، على أعلى مستويات التقنية العالمية، ونستمر في تطويره يوماً بعد يوم. وينبغي ألا نتهاون في هذا أبداً، فامتلاك السلاح والمال والتقنية اللازمة، والكوادر البشرية المؤهلة في هذا المجال، يعد أول بند في المحافظة على الأمن القومي لأية دولة أو أمة.
وصحيح.. لن يكون تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال أمراً سهلاً، غير أنه لن يستحيل على إرادة قوية وعزم ماضٍ كعزم سلمان وإخوته قادة دول التحالف العربي الإسلامي.
فها هي أمريكا، أعظم قوة في العالم اليوم، لم تكن تمتلك شيئاً في التقنية والصناعة أيام كانت مستعمرة من قبل بريطانيا، فاستقطبت الخبرات من كل أنحاء العالم بعد الاستقلال ووفرت لهم البيئة المناسبة، وبعد أن طوّعت العلوم وامتلكت ناصية الصناعة، ابتكرت حكاية حقوق الملكية الفكرية الوهمية هذه، لتحول دون تسرب صناعتها للآخرين، فسخَّرت المال والسلاح لتسود العالم.
وتلك هي الصين، تعرضت لثمانية اعتداءات، مزَّقت وحدتها واستغلت خيراتها وجوَّعت أهلها وشردتهم، وعندما ملكت أمرها ووحدت صفَّها، استفادت من الدرس، فعملت بجدٍ حتى بلغت مرحلة الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات تقريباً. وتملك اليوم أضخم جيش في العالم وأقواه، يتكون من مليوني عنصر مدربين ومجهزين كأفضل ما يكون التدريب والتجهيز، مما يجعل مجرد التفكير في الاعتداء عليها اليوم، مغامرة محفوفة بالمخاطر.
وأخشى ما أخشاه أن يكشِّر الغرب عن أنيابه بعد أن رأى تآلفنا وتعاضدنا وعزمنا على العمل المشترك، فيمنع عنّا السلاح والآليات والمعدات، ليملي شروطه علينا وفق ما يظل يخدم مصالحه إلى الأبد. فلنشمِّر عن الساعد اليوم، ونعمل بجدٍ لتمزيق فاتورة المستشارين والخبراء الأجانب، والسلاح والآليات والمعدات والأجهزة الأجنبية، ولنصنِّع كل شيء داخل دولنا، لاسيما أننا نمتلك كل الموارد اللازمة، من المال والعقول البشرية الخلاقة في دولنا، وينقصنا فقط القرار السياسي الحازم كحزم سلمان، العازم كعزمه، الصادق كصدقه وصدق إخوته قادة دول التحالف الإسلامي العربي.
فكما نعلم اليوم، أنه ثمّة ثلاثة عوامل مهمة، تدفع لاتخاذ القرار بشن أي حرب، هي: الأهداف، التكلفة المادية والبشرية والنتائج. فامتلاكنا لترسانة أسلحة قوية ومتطورة، قادرة على إلحاق الأذى بالمعتدي، يديرها أبناؤنا من الألف إلى الياء، تجعل أية قوة في العالم تفكر ألف مرة قبل أن تغامر بالاعتداء على دولنا. لأنها لن تحقق أي هدف، وسوف تكون تكلفة ذلك باهظة عليها، فوق قدرتها. وبالتالي لن تحقق أي نتائج. فموضوع التسلح أمر خطير على وجود أية دولة في عالم اليوم، الذي لم يعد يعرف منطقاً لغير الشديد القوي. وعليه، ينبغي أن نسعى جميعاً لامتلاك كل ترسانات الأسلحة التي تحقق الردع المطلوب لكل من يهدد أمننا ووجودنا، عملاً بما يعرف في العلوم العسكرية بـ(المسار التوأم) أي امتلاك الأسلحة نفسها التي لدى العدو، دونما أدنى اعتبار لأية خطوط حمراء يحاول الكبار وضعها حجرة عثرة في طريق تقدمنا، تحول دون تفوقنا عليه.
فإن نحن حقاً فعلنا، وإنا لقادرون بعون الله وتوفيقه، وتمكنا من ترسيخ تحالفنا هذا على غرار حلف وارسلوا وحلف شمال الأطلسي، بحيث يعد أي هجوم على أية دولة في الحلف، هجوماً على الدول الأخرى كافة، وبالتالي يلتزم الجميع بالدفاع عن العضو المعتدى عليه، تحقيقاً لمبدأ (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً).. أقول، إن نحن حققنا هذا، فساعتئذٍ لن يهضم لنا حق، وسيعمل العالم (الأول) ألف حساب في أي تعامل اقتصادي أو سياسي معنا. وسنحرر فلسطين من خلال مواقفنا السياسية والاقتصادية الراسخة، دون حاجة لطلقة بندقية واحدة. وعليه، أرى أن نبدأ من اليوم، فنؤسس أكثر من جامعة خاصة للبحث العلمي، تعنى بالبحث في العلوم العسكرية فقط، لتوفير العلم والتدريب والتأهيل والتصنيع والصيانة، وكل ما يتعلق بمستلزمات ميدان القتال عدة وعتاداً. وأناشد هنا (أرامكو السعودية) هذا الصرح الشامخ الذي ألجم لسان كل من كان يسخر من (عرب الصحراء) بالمساهمة في هذا المشروع بقوة، مع مختلف الجهات العسكرية والأمنية في البلاد.
كما أناشد رجال المال والأعمال ونساءهم أيضاً، للمشاركة الجادة، فبجانب أنه واجب وطني، هو أيضاً مجال خصب لتحقيق الربح الوفير، ففي السويد مثلاً، يمول القطاع الخاص (74 %) من نفقات البحث العملي، ويبلغ هذا في كوريا الجنوبية التي توجد بها أكثر من ثلاثمائة جامعة (73 %). ولهذا علينا ألا نستغرب وجود شيء ما في بيت كل واحد منَّا (صنع في كوريا) أو الصين أو تايوان أو اليابان؛ والسبب هو إنفاق (العالم الأول) (4 %) من دخله القومي على البحث العلمي سنوياً. بينما تنفق دولة الكيان الصهيوني وحدها (4.7 %) على البحث العلمي من دخلها القومي، مسجلة أعلى نسبة إنفاق في العالم في هذا المجال، بينما لا يتجاوز إنفاق الدول العربية (0.2 %).. أرأيتم الآن لماذا عجز العرب (22 دولة) عن حل قضية فلسطين لنحو ستين عاماً؟ لقد سجلت إسرائيل (16805) براءة اختراع في عام واحد، مقابل (836) براءة اختراع للعرب مجتمعين، أي (5 %) فقط من عدد براءات الاختراع المسجلة في إسرائيل، وصدق أمير الشعراء، أحمد شوقي، إذ يؤكد:
العلم يرفع بيتاً لا عماد له
والجهل يهدم بيت العزِّ والشرف
وعليه، أرى ضرورة إنشاء وزارة خاصة للبحث العلمي لدينا أيضاً، توجه جهودها كلها للبحث والابتكار، ومن ثم دعم التصنيع لكي نجد حلولاً ناجعة لمشاكلنا المعقدة اليوم؛ وأتمنى أن يكون أول مشروعاتها البحثية، إيجاد وسيلة ناجعة لوضع حد حاسم لحرب الخمور والمخدرات التي يحاول الأعداء جاهدين من خلالها تغييب عقل شبابنا وكي وعيهم، لأنهم يدركون جيداً أن الشباب هم ثروة الأمم الحقيقية. وأعرف أن البعض ربما استكثر هذا، لكن انظروا كيف يفكر الصهاينة ويعملون، فإثر قرار الاتحاد الأوروبي بمحاربة إنتاج المستوطنات، سارعوا في اليوم التالي مباشرة لتأسيس وزارة خاصة، تعمل في اتجاه مضاد، تثني الأوروبيين عن إعاقة جهودهم الاستعمارية؛ وبالطبع، أمر البحث العلمي أهم شأناً وأعظم خطراً. كما أدعو أيضاً للعمل مجتمعين لإيجاد لوبي فاعل في أمريكا، موازٍ للوبي إيران هناك، للتأثير على الرأي السياسي في البيت الأبيض، والعمل مع الماكينة الأمريكية الإعلامية الهائلة، لتهيئة الرأي العام هناك لمناصرة قضايانا العادلة، من خلال توضيح الصورة الحقيقة لطبيعة الأوضاع؛ وفعل الشيء نفسه في الاتحاد الأوروبي.
كما أدعو القطاع الخاص لتأسيس شركات عملاقة متخصصة في التصنيع الحربي، بالاشتراك مع الدولة أو حتى بمفردها؛ وإني على يقين أن الدولة لن تألو جهداً في توفير الدعم اللازم لكل من يقرر الاستثمار في هذا المجال. وبالطبع ينسحب هذا على الدول الأعضاء في التحالف. ويقودني هذا أيضاً لمناشدة جميع الدول الإسلامية والعربية في العالم، للانضمام لهذا التحالف، حتى يسعد الكل به، تأكيداً لقول شاعرنا العصامي الرائد مشعل بن محماس: تحالفنا يسعد من ظله بظله، وحتى لا يعض المتخلفون أصابع الندم، تأكيداً أيضاً لقول ابن محماس في قصيدته نفسها: «يا ويل من حلفنا الما هو حلفن له».
فالعالم اليوم لم يعد يعير اهتماماً إلا للقوي، فها هو الاتحاد الأوروبي يستجيب اليوم صاغراً لكل مطالب تركيا بسبب حاجته إليها في حل مشكلة اللاجئين التي أثارت ذعره، بعدما كان يستفزَّها في السابق. وتلك هي كوريا الشمالية التي يسمونها تارة (محور الشر) وأخرى (الدولة المارقة) وثالثة (المعبد الأحمر)، تفعل ما تريد، دون أن تجرؤ القوى العظمى على مناوشتها؛ بل تلك هي أقوى دولة في العالم، ترفع الراية البيضاء أمام صمود كوبا، بعد تسعة عقود من الترهيب والترغيب.
وختاماً، أتمنى لهذه المسيرة المباركة التي دشّنها قائدنا سلمان الحزم والعزم والحسم، أن تستمر فتؤتي أكلها طيباً، حتى ترتج الدنيا كلها من أزيز رعدنا. وساعتها لن يجرؤ أحد على تخطي خطوطنا الحمراء، بل سيتسابق الجميع لكسب ودَّنا.. وفَّق الله قادتنا، وحفظ بلادنا، وسدَّد خطانا لمواصلة مسيرة خيرنا القاصدة وأداء رسالتنا السامية، التي نذر الجميع نفسه للذود عنها والتضحية في سبيلها. ومثلما أنتم سعيدين بما حققتموه لنا يا خادم الحرمين الشريفين، كذلك نحن فخورين بكم، ولا أجد ما أقوله في حقكم اليوم أفضل مما قاله الشاعر أحمد إبراهيم الغزاوي، الذي يروق لي شعره كثيراً، في الملك عبدالعزيز:
وما أنا في الثناء عليه إلا
كمن أهدى إلى صبحٍ شهابا