حمد بن عبدالله القاضي
رحم الله هذا الراحل «العَلم والعِلم والعمل»؛ الذي ستبقى بصماته العلمية والإدارية والخلقية.. كما قلت بتغريدة كتبتها حال علمي برحيله إلى جوار ربه.
عرفت أستاذي الراحل أ. د. عبدالله بن يوسف الشبل عندما كنت طالباً بالمعهد العلمي بعنيزة، وكان رحمه الله مديراً.. بل كان «مربياً» قبل أن يكون مديراً وموجهاً قبل أن يكون إدارياً.. كان حريصاً منذ وقت مبكر ألاّ يكون تعلمنا تلقيناً، بل حرص على أن نترجمه إلى عطاء وممارسة ومناشط بأروقة المعهد وخارجه.
كان شغوفاً بالعلم وبالتاريخ تحديداً فواصل دراساته العليا حتى حصل على شهادة الدكتوراه، فضلاً عن تبحره بعلوم الدين، وكان حافظاً لكتاب الله.
ورغم مسؤولياته الإدارية التي تقلدها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وكيلاً ثم مديراً، إلاّ أنّه واصل تعلقه بالبحث والتوثيق والتاريخ في مراحل حياته كلها، فأسهم بإسهامات مشهودة بخدمة تاريخنا القديم والحديث رحمه الله.
كان بجامعة الإمام عضداً لمعالي مديرها المتميز د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي الذي أوكل إليه إبّان وكالة الراحل للجامعة الإشراف على مباني الجامعة التي أضحت صرحاً علمياً سامقاً، فكان نعم المؤتمن ونعم الدقيق بعمله وإشرافه حتى إنه جعل له -رحمه الله- مكتباً في مقر موقع «مباني الجامعة» ليتابع سير العمل في بنائها بالمستوى الذي يجب أن تكون عليه، وكان لدعم وثقة مديرها د. التركي الأثر الكبير في سموقها مدينة جامعية شامخة.
كان الراحل رحمه الله على خلق جميل وسجايا مضيئة، فكان ودوداً بتعامله لطيفاً بقوله، هادئاًَ بطرح آرائه، يسند ذلك ويعضده علم غزير وتجارب حياتية وعلمية ثرية.
كان أبعد ما يكون عن الأضواء منذ أن كان مديراً للمعهد حتى أضحى مديراً للجامعة.. فقد كانت رؤيته حسب معرفتي به وشخصيته الوقورة، لا يحب أن يضيع وقته بالأضواء والفلاشات الإعلامية، بل جعل ما يقدمه -إن كان يستحق- يضوع عبقاً وينتشر عطاء.
كان متواصلاً مع الناس حتى بعد أن أقعده المرض فأصبحت له جلسة مستمرة في يوم محدد، إلاّ إذا حالت ظروفه الصحية عن عقدها، وكان ابنه البار المنسق لها والداعي إليها أ. عبدالعزيز.. وكان مجلسه يمتلئ بالحضور الكبير الذي يضيق بهم وفاء منهم لعمله وعلمه وإيفاء لمكارم أخلاقه.
زرته قبل وداعه للجامعة بمكتبه، وجلست معه جلسة ممتعة لم يتحدث فيها عن الجامعة إلاّ قليلاً حتى عندما أساله عن الجديد فيها يرد بأدب: ليتك تأخذ جولة فيها.. ورحلت معه في تلك الجلسة عبر قارب أبحر بي معه في تاريخنا الوطني وحاجته للتوثيق والنشر، وثمّن ما تقوم به دارة الملك عبدالعزيز من عمل مقدّر لخدمة تاريخنا المشرف وما قدمه رجال بلادنا بقيادة الملك عبدالعزيز رحمه الله من أجل استقرارها ووحدتها.
وإنني هنا أدعو دارة الملك عبدالعزيز التي كان الراحل عضواً في مجلس إدارتها، فضلاً عن كونه مؤرخاً وطنياً خدم تاريخنا السعودي.. أدعوها إلى إبقاء ذكره وعطائه بأي تكريم تراه يرقى إلى هذه القامة: علماً ومنجزاً وتاريخاً وما أخالها إلا فاعلة.
رحم الله هذا الراحل الغالي أ. د. عبدالله بن يوسف الشبل كِفاء ما نذر حياته له دينا ووطنا وبقدر ما اعتنى بالتاريخ حتى كتبه التاريخ.. كان رحمه الله من الباحثين المتفانين والمنجزين الوطنيين، والعزاء لأسرته الكريمة ولكل محبيه ولكل الأوفياء له.. {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً}.