محمد بن عيسى الكنعان
عندما يعلن قائد عسكري عربي أن طريق القدس يمر عبر الكويت، فيصنع شرخاً في جدار التضامن العربي، ويضع المنطقة كلها على صفيح ساخن حتى كانت بلاده طريق الغرب نحو بلاد العرب، فهذه خيانة للقضية الفلسطينية، وعندما يصيح زعيم عسكري عربي بأنه سيرمي إسرائيل في البحر، فنستيقظ على ضياع القدس والضفة والجولان فهذه خيانة للقضية الفلسطينية،
وعندما يعترف حاكم عربي لدولة بوليسية أن بقاء نظامه يحقق أمن إسرائيل؛ بدلالة أنه لم تطلق رصاصة واحدة تجاه الصهاينة عبر الجولان فهذه خيانة للقضية الفلسطينية، وعندما يستخف فاتح عسكري عربي بالقيمة الدينية للمسجد الأقصى، ويدعو إلى تبني فكرة تجمع العرب واليهود باسم (إسراطين) فهذه خيانة للقضية الفلسطينية، وعندما يقول حاكم عربي إنه لو اجتمع المال العربي والعقل الإسرائيلي لأنتج حضارة فهذه خيانة للقضية الفلسطينية.
الخيانة هنا قد لا تكون بالمفهوم الأخلاقي، إنما وفق المفهوم السياسي، ولا تعني فقط نقص أو قصور الجهود المبذولة لقضية عادلة عن الدور النبيل والدعم الحقيقي لهذه القضية فحسب، ولكن تتمثل باستغلال هذه القضية لمصالح سياسية وتحالفات إقليمية. وهذا ما فعلته الأنظمة العسكرية العربية بالقضية الفلسطينية، فقد جعلتها مادة استهلاكية إعلامية لتبرير مدها القومي، وتعزيز شرعيتها الانقلابية في أوساط الأمة، متظاهرةً أنها المخلص الفعلي لفلسطين من براثن الاحتلال الصهيوني، بينما هذه الأنظمة العسكرية هي التي دقت المسمار الأخير في نعش هذه القضية العريقة في الضمير الإنساني؛ لولا الله ثم أطفال الحجارة الفلسطينيين الذين أعادوا القضية إلى مسرح الأحداث العالمية بانتفاضتهم المباركة. فبقيت القضية الفلسطينية باعتبارها القضية العالمية الوحيدة التي جرت على أرضها كل صور المأساة الإنسانية، والقضية التي تدين خذلان العرب، وصمت المسلمين، وتفضح أكاذيب الغرب بشأن حقوق الإنسان.
وإذا كان لكل قضية دوافع ومنطلقات، فالقضية الفلسطينية العظيمة لها منطلق عقائدي بحكم أنها وقف إسلامي لا يحق لأحد التفريط بشبر منه لوجود الحرم القدسي، ولها بعد قومي لكونها أرضا عربية (أرض كنعان)، ولها مصلحة سياسية بكونها بلاد الديانات السماوية الثلاثة حيث ترتبط شعوب ودول هذه الديانات بها، ولها ميزة اقتصادية لموقعها الاستراتيجي عالمياً، هذه الاعتبارات الإستراتيجية لفلسطين لم تستثمرها الأنظمة العسكرية والتيارات القومية في استعادة وتحرير فلسطين، إنما فرغت القضية من منطلقها العقدي، وجعلت بعدها القومي مرهوناً بسياساتها المعادية للأنظمة الملكية والوراثية، التي أثبتت الأيام أن هذه الأنظمة هي التي لم تتوقف عن دعم الفلسطينيين حتى في ظل انقسامهم وصراعهم الداخلي، بل أثبتت الأنظمة الملكية والوراثية أنها ملاذ الفلسطينيين بعد الله والصوت الباقي للدفاع عن قضيتهم. بينما كانت الأنظمة العسكرية تبتزهم لصالح مواقفها السياسية وتحالفاتها الإقليمية. ولعل تهميش الضفة والوضع المأساوي بالقدس وحصار غزة من قبل الصهاينة نتيجة طبيعية لخيانة الأنظمة العسكرية للقضية الفلسطينية.