خالد بن حمد المالك
مضى إلى حيث نهاية كل حي، فانطفأت بموته شموعاً كانت تضيء الطريق، وخبا بوفاته ما كان أحد مصادر الإشعاع في وطننا، وخيّمت سحب من الحزن على وجوه من تعلَّم على يديه، واستفاد من دروسه، وتثقّف من علمه، ووجد في فكره وقلمه ما كان لسان حاله بالنيابة عنه، فقد كان الفقيد كبيراً في علمه وخلقه وتواضعه ما لا يمكن أن تعبّر عنه الكلمات بما تنصفه كأحد الأعلام في التاريخ والشعر والأدب والكتابة الوطنية والقومية.
***
مات أبو صالح الدكتور عبدالله العثيمين، أحد أفراد المجموعة الأولى محدودة العدد التي كانت طليعة الشباب المؤهلين علمياً وأكاديمياً، فأثرى بقلمه صحافتنا مدافعاً بوطنية لا تملك وأن تقرأ له إلا الانقياد لمواقفه مؤيّداً ومباركاً، وكتب عن القضايا العربية شعراً ونثراً، فحرك مشاعر العرب بما ينبغي أن يكونوا عليه، وأخذت القضية الفلسطينية من مداد قلمه ما يمكن لوجع ما كتبه عنها لشكل سلسة من الكتب، وكان نصيب أبحاثه في مجال تخصصه كبيراً وكثيراً ومفيداً، ما عبّرت عنه كتبه ودراساته ودروسه.
***
كان حبيبنا المرحوم الأستاذ الدكتور عبدالله الصالح العثيمين، زاهداً بالمظاهر، في ملبسه ومركبه وسكنه، محافظاً على لهجته القصيمية في أحاديثه، وكأنه لم يغادر مسقط رأسه مدينة عنيزة بالقصيم، وفي شأن آخر تشهد له المنابر في الداخل والخارج بأنه محاضر بارع، وخطيب مفوّه، وشاعر مبدع، مثلما تشهد له المجالس الشعبية والأخوية أنه أنيسها، وصاحب روح مرحة فيها، ما لا يمكن لمن لا يعرفه، أن يتوقع أن هذا هو العالم الكبير، الذي امتلك المواهب في الشعر والبحث والكتابة وهو في المرحلة المتوسطة من التعليم.
***
درّس بالجامعة ضمن السعوديين الأوائل، واختير لمجلس الشورى عضواً فيه، وتولى مسؤولية أمانة جائزة الملك فيصل العالمية، وصدرت له عدة دواوين شعرية وكتب بحثية في التاريخ والترجمة والأدب والوطنيات والقوميات، وله نشاطات اجتماعية وإنسانية كثيرة، وظل صاحب مبادئ لا يحيد عنها، ولا يجامل فيها، ولا يتردد بالبوح عنها، معتزاً بإسلامه وسعوديته وانتمائه العربي، محباً لعنيزة، حيث مولده وبدايات تعليمه وتربيته.
***
سيكتب كثيرون عن الفقيد الكبير بما يستحقه من كلام، فوفاته خسارة كبيرة، لكن غياب مشهده سيترك أثره على الوطن، وعلى أجواء العلم والتعليم، ما لا أملك معه إلا الدعاء له بالرحمة والغفران، ولأسرته ومحبيه وكل من خسر بموته عِلْماً كان ينهله منه، بالصبر على الفجيعة بموته، ونحسبه إن شاء الله مع الصديقين الذين سيواجهون كما يواجه فقيدنا ربهم بما عملوا من خير في الدنيا وما احتسبوه من أعمال للآخرة.