م. خالد إبراهيم الحجي
إنّ استخدام الطرق التقليدية البسيطة لتقييم المفاسد في المنظومات المتشابكة والمعقدة لأكثر القضايا المعاصرة ثبت عدم دقتها لأن هذه الطرق التقليدية تؤدي إلى المبالغة والتهويل في حجم المفاسد، وإظهارها بأنها تطغى على المصالح الموجودة فيها وبالتالي يتم رفض
المنظومات المتشابكة والمعقدة برمتها، والعكس صحيح استخدام الطرق التقليدية البسيطة لتقييم المصالح في المنظومات المتشابكة والمعقدة لأكثر القضايا المعاصرة يؤدي إلى المبالغة والتهويل في حجم المصالح الموجودة في المنظومات المتشابكة والمعقدة، فتطغى على المفاسد المغمورة فيها وبالتالي يتم قبولها، والأخذ بها برمتها بالرغم من كثرة المفاسد الموجودة فيها لأنه نتيجة لتطور وسائل الحياة الحديثة من الشكل السابق البسيط إلى منظومات متشابكة ومعقدة تشتمل على عناصر يرتبط بعضها ببعض، ويؤثر بعضها في بعض، وتتداخل في بعضها البعض.
وحساب محصلة العناصر السلبية والإيجابية في المنظومات المتشابكة والمعقدة يتطلب سلسلة من العمليات الحسابية المعقدة لأن علماء الرياضيات وخبراء الأساليب الكمية يؤكدون على أن المقارنة بين العشرات أو الآلاف من العناصر السالبة والموجبة المتشابكة والمعقدة سيتطلب معادلات رياضية من الدرجات العالية يصعب على العقل البشري حلها بالطرق التقليدية، وبالتالي فإن تقييم هذه المنظومات المتشابكة والمعقدة يتطلب توظيف علم الإحصاء أحد فروع علم الرياضيات الهامة ذات التطبيقات الواسعة في الحياة العملية لأنه يهتم بجمع البيانات المتوفرة وعرضها وتلخيصها وتمثيلها بالطرق المختلفة وتفسيرها للوصول إلى النتائج الدقيقة للاستفادة منها، مع محاولة التغلب على المشاكل المختلفة مثل عدم تجانس البيانات وتباعدها مما يجعل علم الإحصاء ذا أهمية تطبيقية واسعة في شتى العلوم التطبيقية، ومجالات الحياة من الفيزياء إلى العلوم الاجتماعية وحتى الإنسانية كما يلعب دوراً هاماً في السياسة والاقتصاد والأعمال الصناعية والتجارية. والهدف الرئيسي من الدراسات الإحصائية هي إعطاء التحليلات والمقارنات الإحصائية الدقيقة وإظهار الجوانب السلبية والإيجابية أو الضارة والنافعة في كل قضية أو ظاهرة على حدة. والقضايا المعاصرة التي تطورت إلى منظومات متشابكة ومعقدة تشتمل على مفاسد ومصالح اختلطت وتداخلت في بعضها البعض، وبالتالي تتطلب طرقاً حديثةً ودقيقةً ومبتكرةً للتقييم الصحيح لتحديد جميع السلبيات والأضرار والمفاسد، وتعيين جميع الإيجابيات والفوائد والمصالح في كل منظومة على حدة، ثم إجراء المقارنات بينهما للخروج بنسب مئوية دقيقة، وأحكام مدروسة نافعة وبناءً عليه يتم رفض المنظومة إذا ثبت غلبة سلبياتها وأضرارها وفسادها على المجتمع، أو قبولها إذا ثبت غلبة إيجابياتها وفوائدها ومنافعها للمجتمع. لذلك فإن القضايا المعاصرة ستتطلب بالإضافة إلى توظيف علم الإحصاء تضافر الجهود المختلفة من خبراء البرمجة وتقنية المعلومات، وأصحاب الخبرة والاختصاص في كل علم، والباحثون الاجتماعيون في كل مجال مع الفقهاء والمشرعين والتعاون مع بعضهم البعض لتوظيف العلوم الحديثة وتطبيقاتها المبتكرة كالتالي:
(أ)استخدام علم الإحصاء: لتصميم منهجية منظمة بواسطتها يتم تحديد الأوزان الكمية والنوعية لجميع عناصر المنظومات المراد تقييمها، وإجراء استطلاعات ميدانية لأخذ عينات حقيقية من أرض الواقع، وجمع البيانات الدقيقة وتلخيصها وتغذيتها في عينات حاسوبية مطابقة للواقع.
(ب)المحاكاة بالحواسيب: لإنشاء وضع شبيه بالواقع الفعلي المراد دراسته، وإجراء التجارب عليه في ظروف متعددة ومختلفة والاستفادة من توظيف جميع الموارد المادية والبشرية والعلمية والتقنية المتوفرة للحصول على النتائج الدقيقة.
(ج)النمذجة بالحواسيب: لإنشاء عدة فروض للقضية المراد دراستها حيث يقوم المستفيد بتغذية النموذج بالمدخلات، وفي كل مرة يتتبع التغيرات الناتجة للمخرجات للوصول إلى نتائج دقيقة في المنظومات المتشابكة والمعقدة للقضايا المعاصرة.
ومن أهم مزايا علم الإحصاء إعطاء نتائج دقيقة في المقارنات النسبية، ومن مزايا المحاكاة والنمذجة الحاسوبية أنها تجعلنا دائماً نقارن بين أكبر قدر ممكن من الافتراضات الممكنة والاحتمالات المتعددة من السلبيات والأضرار والمفاسد، وبين أكبر قدر ممكن من الإيجابيات والفوائد والمصالح عند دراسة المنظومات المتشابكة والمعقدة للقضايا المعاصرة التي لا نستطيع اختبارها على أرض الواقع ولنضرب على ذلك الأمثلة التالية:
(1): من الصعب شن عدة معارك أو عدة حروب بعدة طرق مختلفة لمعرفة أيٍّ منها يعطي أقل خسائر في الأرواح ولكن نستطيع محاكاة تلك الطرق المتعددة بواسطة علم الإحصاء والحواسيب ودراسة نتائجها.
(2): نحن لا نستطيع بناء 100 تصميم مختلف من ناطحات السحاب لنعرف أيًّا منها يستطيع الصمود أمام زلزال قوته 8 درجات على مقياس رختر للزلازل، ولكن يمكن بسهولة إجراء هذا السيناريو بالنمذجة الحاسوبية وتحديد التصميم الأفضل.
(3): بواسطة المحاكاة والنمذجة الحاسوبية يمكن تقدير التغييرات المناخية في المستقبل وعلى مدى عدة سنوات.
ومن هذا المنطلق فإن استخدام الوسائل الحديثة لا غنى عنها لتقييم المنظومات المتشابكة والمعقدة للقضايا المعاصرة التي تشتمل على أصناف متعددة وأشكال متداخلة من المفاسد والمصالح التي لايمكن قياسها بدقة متناهية بالطرق التقليدية السابقة، وتقدير آثارها السلبية أو الإيجابية على أرض الواقع. وتوظيف علم الإحصاء والمحاكاة والنمذجة الحاسوبية في الحكم على القضايا المعاصرة يحقق الفوائد المتعددة التالية: الأولى: تحليل القضايا المعاصرة تحليلاً دقيقاً بعد أن تطورت إلى منظومات متشابكة ومعقدة مع الأخذ في الاعتبار حساب معدلات التطبيق في الحياة العملية من حيث الأعداد والأحجام، والأنواع والأعمار، والحالات والطبقات الاجتماعية، والمواقف المرتبطة بالقيم والعادات والتقاليد الاجتماعية وغيرها من العناصر التي تشتمل عليها مختلف المنظومات المتشابكة والمعقدة للقضايا المعاصرة.
الثانية: التصنيف والقياس في الجوانب الاجتماعية والإنسانية: لنتمكن من تحليل وفحص وضبط الأسباب المؤدية إلى الظاهرة موضوع الدراسة، وجمع النتائج الواقعية المترتبة عليها ومقارنتها مع بعضها البعض للوصول إلى الحالات المثالية التي ننشدها.
الثالثة: قياس المسافة بين التطبيق الفعلي على أرض الواقع وبين المعايير المثالية التي ننشدها بدقة دون تحيز تجاه ظاهرة على أخرى
الرابعة: أفضل الوسائل العملية المجربة: للفصل في الخلافات والرد على الاعتراضات التي تصدر من كل جانب على الآخر
الخامسة: إعطاء نتائج دقيقةً جداً: تؤدي إلى ترجيح الآراء والقرارت والأحكام التي تعود بالنفع والفائدة على المجتمع، وتؤدي إلى الشفافية وفتح أبوب الحوار والنقد الهادف البناء.
السادسة: فهم القضايا المعاصرة بسهولة ويسر: قبل تعميم مخرجاتها ونتائجها على الجمهورلأن ذلك يؤدي إلى إقناع الجمهور إقناعاً عملياً لتقبل النتائج التي تم التوصل إليها خلال مناقشة المقارنات بين السلبيات والأضرار والمفاسد وبين الإيجابيات والفوائد والمنافع التي تعود على المجتمع.
وتوظيف العلوم السابقة لحل القضايا المعاصرة مثل: ( التأمين على الحياة وضد الكوارث الطبيعية، ونقل الأعضاء البشرية، والتعاملات البنيكة الحديثة، وقيادة المرأة للسيارة، وإغلاق المحلات التجارية أثناء الصلاة) وغيرها من المنظومات المتشابكة والمعقدة التي لا يمكن الاستغناء عنها لأهميتها وضرورتها في حياتنا المعاصرة لأن هذا التوظيف الحديث سيخرج المجتمع من الحيرة الشديدة بين صعوبة الاستغناء عن الأخذ بالقضايا المعاصرة لضرورة الحاجة إليها وبين تجنبها أو تركها، فيصبح الأخذ بالقضايا المعاصرة من باب الضرورة الملحة وليس من باب مخالفة الشرع أو الخروج على القانون.
الخلاصة:
إن استخدام علم الإحصاء والمحاكاة والنمذجة الحاسوبية لتقييم القضايا المعاصرة في المنظومات المتشابكة والمعقدة يعطي نتائج دقيقة جداً تؤدي إلى آراء وقرارات وأحكام عملية صحيحة تتصل بالواقع تلبي متطلبات المجتمع المعاصرة.