خالد بن حمد المالك
لم يسبق الإعلان عن إقامة الجسر البحري الذي سيربط مصر بالمملكة أي إشارات أو كلام عنه، ولم يتحدث أحد قبل الزيارة الملكية بالتصريح أو التلميح عن الجزيرتين اللتين عادتا إلى الحضن السعودي مرة أخرى باتفاق بين الدولتين خلال زيارة الملك سلمان لمصر، ولم يكن هناك من قول أو ظهور أي تسريبات عن أن هناك منطقة حرة ستكون ثمرة هذه الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين لمصر، وظل ترسيم الحدود بين البلدين خارج التوقعات قبل الزيارة والإعلان عنه، فكل هذه المفاجآت السارة صاحبها صمت وسرية ونأي عن الحديث عنها، إلى أن كتب الجانبان السعودي والمصري وبخط واضح، وبحبر من ذهب، ما أصبح حديث العالم اليوم وغداً وإلى ما شاء الله.
***
كان هناك تعتيم، وعمل اتسم بالصمت، وإنجاز ما تم إنجازه على نار هادئة، وهذا جزء من نجاح المباحثات، ومؤشر على حكمة الملك والرئيس، وكفاءة من أوكلت لهم من اللجان مهمة هذا العمل التحضيري المهم من الجانبين، بما مهد الطريق نحو الوصول إلى هذه الاتفاقيات الحاسمة، في مناخ وأجواء حرم منها الفضوليون، وأقصي عنها أولئك الذين لا يريدون الخير للدولتين الشقيقتين، وهو ما أدركه الملك سلمان والرئيس السيسي مبكراً، ففوتا الفرصة عليهم، وأنهيا المهمة بنجاح دون أن يعطيا دوراً أو فرصة لهم لتخريب العلاقة المتميزة بين الرياض والقاهرة.
***
كان واضحًا الاهتمام غير العادي بزيارة الملك سلمان لمصر، ومتابعتها على كل المستويات الرسمية والشعبية؛ ففي جامعة القاهرة استُقبل بالكلمة المعبِّرة، وحرارة التصفيق، ومظاهر الانتشاء، كما لو كان ما حدث ضمن المراسم الرسمية لاستقبال الضيف الكبير، بينما كان رئيس الجامعة يتشرف بمنح الملك سلمان شهادة الدكتوراه. وفي المجلس النيابي تكرر المشهد ذاته؛ وقف الجميع أكثر من مرة لتحيته، وقاطعوا كلمته بالهتافات، والتصفيق، والوقوف لتأكيد احترامهم لضيف مصر الكبير، فيما اعتُبر هذا الموقف كما لو أنه مصادقة على ما تم الاتفاق عليه بين الملك والرئيس، وردًّا على من شكك بأن لمصر مصلحة في ترسيم الحدود، أو إعادة الجزيرتين.
***
الصورة التي كانت أمامي، والمشاهد التي رأيتها، والتفاعل مع الزيارة التي لا تزال أحداثها في ذاكرتي، أعطتني انطباعًا متجددًا عن أن العلاقة التاريخية بين مصر والمملكة باقية وقوية، وأن من يحاول التشويش عليها، أو يشكك بما عبَّرت عنه زيارة سلمان للقاهرة، لا يعرف أصالة وجذور وتجذر هذه العلاقة بين بلدَيْنا، ولا يدرك ما بين الشعبين الشقيقين من محبة وحميمية في العلاقات، وتعاون ليس له حدود، ورغبة مشتركة بأن تتطور العلاقة إلى ما هو أفضل.
***
صاحب هذا الاهتمام الكبير بالزيارة لغط إعلامي مشبوه، بعد التوقيع على ترسيم الحدود البحرية، وعودة الجزيرتين (تيران وصنافير) إلى المملكة. وكان هذا الموقف مفهومًا للعقلاء من المصريين والسعوديين، وهم الأكثرية الساحقة، ولاسيما بعد أن تصدى الرئيس المصري لمن ادعوا تفريط مصر بحقوقها، وكشف عن الوثائق والمراسلات والاتفاقيات التي تثبت حق المملكة بما تم الاتفاق عليه، بما ألجم الألسنة، وكشف عوار بعض الأقلام، ونبَّه إلى حقائق الأمور في كل ما تم الاتفاق عليه.
(يتبع)