محمد آل الشيخ
سلاح داعش وقبلها القاعدة الأهم هو التحريض على الانتحار، بعد أن أطلقوا عليه كذباً وبهتاناً (الاستشهاد)، على اعتبار أن الشهادة في سبيل الله من أعظم الأعمال وأفضلها في الإسلام؛ وأغروا الفتية السذج البسطاء، وشبه الأميين، الذين بالكاد يستطيعون أن يتهجوا بصعوبة ما يقرؤون، أن جزاءهم إذا ما انتحروا وقتلوا أنفسهم بالأحزمة الناسفة ومزقوا أجساد غيرهم بالمتفجرات سيكون (الحور العين) في الجنة.
أول من قال بهذه الفرية المفبركة في عصرنا كانوا أقطاب الإسلام السياسي، وعلى رأسهم الإخواني الشهير المدعو «يوسف القرضاوي» ومن اتبعه ودار في فلكه وفلك فتاواه من (جماعة الإخوان) أو ما أفرزه هؤلاء من جماعات عنفية ضالة مثل (السروريين) وجماعات السلفية الجهادية، الذين هم للخوارج ومناهجهم وأدبياتهم أقرب منهم إلى أهل السنة والجماعة، وإن ادعوا أنهم ينتسبون إلى أهل السنة فذلك لذر الرماد في العيون. الجماعات المتأخونة بمختلف توجهاتها، نجحوا في التملص من الدعوة إلى العنف والتغيير بقوة السلاح، ونسبوا ذلك إلى (الوهابية) كما يسمونها.. صحيح أن بعض الوهابيين متشددون، وصحيح -أيضاً- أن بعضهم لا يفرق بين التكفير المطلق و(تكفير مُعين بذاته)، خاصة الدهماء منهم، لكنني هنا أتحدى أن يأتي لي المتأخونة ومن يدور في فلكهم بعالم وهابي خالص، أي لم يتأخون، ولم يتبع منهج الضال المضل المتأخون السوري «محمد سرور»، والمسماة فرقته جماعة (السروريين)، يجيز فضلاً عن أن يُحرض، على (الانتحار)، وقتل النفس على اعتبار أنه ضرب من ضروب الشهادة.
«الشيخ صالح الفوزان» أشهر علماء السلف المعاصرين، الذي يصنفه البعض وهابياً، عندما وقف بصلابة وحزم ضد ما يسميه المتأخونون (الاستشهاد) والمبادرة بقتل النفس في جموع الأعداء، وأبان عوارها وضلالتها، لم يجد المتأخونون ما يقاومون به فتواه إلا بتصنيفه على أنه (جامي)، ثم قصروا المقصود بقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، على من يشكو من علل نفسية، ولا حيلة له إلا الانتحار؛ رغم أن فقهاء الإسلام ومفسريهم من أهل السنة والجماعة، بمختلف مذاهبهم، وتفرعاتهم، وفرقهم، لم يذكر لنا التاريخ المدون أن واحداً منهم قال بهذه الفتوى المقززة تصريحاً أو تلميحاً، حتى جاء هذا الذي ينتسب إلى جماعة الإخوان، وابتدع هذا القول المنكر، وها نحن اليوم نرى نتائج هذه البدعة أشلاء ممزقة بسبب هؤلاء الانتحاريين، التي لم يسلم منهم حتى المسلمين في مساجدهم، على اعتبار أنهم كفاراً أو (مرتدين).
المدعو المصري سابقاً، والقطري حالياً، هو من أساطين الذين بجيزون الانتحار على اعتبار أنه (استشهاد). هذا المسيس اعترف مؤخراً أنه كان مُخطئاً حينما مجد وأثنى على (حزب الله)، فليته لم يتراجع عن إعجابه بذلك الحزب، ورجع عن فتواه (الانتحارية) التي راح ضحيتها الآلاف من المسلمين، ودمهم في رقبته، سيواجه بها ربه حين لقاه، جراء فبركته للفتاوى بما يخدم الثوار والمتمردين على حكوماتهم.
أما التكفير والإخراج من الملة كما يُتهم الوهابيون، فهو ديدن عرفته جميع الملل والنحل في كل المذاهب والطوائف في حق بعضهم بعضا، ولم تكن حصراً على الوهابية، كما يحاول أن يقول المتأخونون والغربيون؛ بل أقولها بملء فمي أن الوهابيين يفرقون بين التكفير بالمطلق وبين تكفير (المعين)، بعد استتابته ومحاكمته إذا قدروا عليه، في حين أن (القطبيين) من جماعة الإخوان لا يترددون في تكفير المجتمعات بأكملها؛ فقد كان الإخواني المدعو «سيد قطب»، لا يقيم صلاة الجمعة ويصليها ظهراً في منزله، على اعتبار أن لا صلاة إلا مع إمام مسلم، ولا وجود له على سطح الأرض الآن، كما شهد بذلك أحد جلسائه، بعد أن رجع عن التأخون إلى جماعة المسلمين.
وأخيراً ومن على هذا المنبر، أقول: ليس ثمة طريقة لاجتثاث فتوى الانتحار الضالة المضلة، وإلغائها من قاموس الممارسات الإسلامية المعاصرة، إلا بأن يجتمع المؤتمر الإسلامي، ممثلاً في علماء وفقهاء من كل الدول الأعضاء، ويعلنون إعلاناً عالمياً أن القول بجواز الانتحار وكل استشهاداته، قول ضال مضل ومفبرك، وأن على جميع الدول الأعضاء الالتزام بمقتضيات هذا الإعلان بمنتهى الصرامة والحزم، ومن خالفه من مشايخ هذا البلد أو ذاك، يُجرم كما يجرم الفاشيون والنازيون، ويتعيّن على الدولة التي يحمل جنسيتها من يقول بهذا القول اعتقاله ومحاكمته وعقابه، وإذا تهاونت أو تقاعست هذه الدولة عن لجمه ومحاسبته، فإنها تُهدد بالطرد من عضوية المؤتمر الإسلامي. بهذه الطريقة نستطيع أن نطوق هذه الفتوى، وتصبح مع الزمن فارغة ولا قيمة لها.
إلى اللقاء.