تركي بن إبراهيم الماضي
في العلاقات البشرية، لا يمكن أن تؤسس لقاعدة أو قواعد يمكن السير على هداها، في كيفية التعامل مع شخصيات متنوّعة التفكير ومختلفة الأمزجة، حتى وإن كانت تنهل من ثقافة واحدة وتنبت في ذات البيئة. وهي المشكلة التي واجهت الباحثين، باعتبار
أن حركة الإنسان لا يمكن إخضاعها، كما يحدث في العلوم التجريبية، فالمعادلة الحسابية 1+1=2 لا يمكن تطبيقها بنفس النموذج على العلاقات البشرية.
حتى الدراسات الحديثة التي حاولت الاقتراب من توصيف دوافع وحاجات ورغبات الإنسان المعاصرة ظلت قاصرة، لأنه لا يمكن أن يبنى عليها نظرية تحدد هذه الحاجات والدوافع للإنسان أينما كان بشكل دقيق وقابل للملاحظة، مثل ما يحدث في العلوم التجريبية. وقد تلاحظ هذه الصعوبة في دائرتك الصغيرة. إخوتك لا يشبهونك، رغم إنكم من نفس الوالدين، ونشأتم نفس النشأة في ذات البيئة، لكن شخصياتكم مختلفة جداً. بل حتى في العلاقات الأسرية يحدث الطلاق بين زوجين بعد عشرة طويلة، ظن الناس أنها ناجحة، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً. وقس على ذلك علاقات الصداقة والزمالة قد تنهار بسبب موقف تافه أو ظن لم يكن في محله.
كل ذلك سببه أنه لا يمكن التنبؤ بما يفعله الإنسان - أي إنسان- إذا توافرت له نفس الشروط التي تحققت لإنسان آخر، في ذات الموقف، ونفس الدوافع والرغبات.
فمثلاً، لو أن شخصاً تعرض لاعتداء أو أذى من شخص آخر، فإن ردة الفعل المتوقعة للإنسان الذي تعرض للاعتداء أن ينتقم لنفسه أو يلجأ للشرطة طلباً للإنصاف. لكن هذا يظل ناقصاً، لأننا نبني على ما نتوقّعه من أنفسنا إذا حدث لنا هذا الموقف، ولكن تظهر نتائج أخرى غير متوقّعة، كأن يسامح الإنسان المعتدى عليه أو يتنازل عن المطالبة بحقه أو قد يفعل شيئاً لم يخطر في ذهن أحد.
وفي القرآن الكريم آيات تؤسس لقواعد مهمة للمسلم في فهم العلاقات البشرية، كما تبيّن هذه القاعدة العامة في الآية الكريمة {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (251) (سورة البقرة) وهو ما فسره «مجاهد: ولولا دفع الله بالبر عن الفاجر، وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض (لفسدت الأرض) بهلاك أهلها».
وفي القاعدة الخاصة بالمؤمنين تبيّن الآية الكريمة {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (34) (سورة فصلت) وهو ما فسره ابن عباس رضي الله عنه بقوله: (ادفع بالتي هي أحسن) قال: «أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم، كأنه ولي حميم. وقال آخرون: معنى ذلك: ادفع بالسلام على من أساء إليك إساءته».
والمعنى في هذا كله: إن الإنسان كائن معقد، والعاقل من فهم نفسه أولاً، قبل أن يفهم الآخرين، ولن يستطيع. وهو ما يوضحه الموقف الذي حدث للإمام أحمد بن حَنْبَل عندما سأله رجل: كيف أسلم من أذى الناس؟ فأجابه الإمام أحمد قائلاً: أن تعطيهم كل حقوقهم، وأن لا تطلب منهم شيئاً من الحقوق التي لك عليهم.. وليتك تسلم.