رمضان جريدي العنزي
نحن نعيش في زمن الرمادية، ودوائر النار الكثيفة، الذئاب والضباع والثعالب والحيات والعقارب وحتى السناجب ونقار الخشب والخفافيش، على التلال واقفة، وفي الجحور ساكنة، وفي الكهوف رابضة،
لمة من الأطياف والأشكال والأجناس والأصناف، تتحين الفرصة، والساعة، والوقت، للانقضاض والاندفاع، لديهم جرأة على تزييف الواقع وتزوير الحقائق، وعندهم لف، ودوران، ونحيب باطل، وتباك مصطنع، يريدون لنا الشر المستطير، والفناء العظيم، وعقر نوقنا وطعنها، وبيعنا في سوق النخاسة، أصحاب مشاريع حارقة، وهوايات خطيرة، وأهداف بغيضة، ونوايا غير حسنة، لهم طمع وجشع وأوهام وبدع وسراب، طبخهم فاسد، وماؤهم ملوث، يقفون على مسافة واحدة من العهر ومن الطهر، يتباوسون نهاراً، ويتداسسون ليلاً، يبيعون أنفسهم للأعداء، يميلون حيث تميل مصالحهم، وحيث تميل العاصفة، لهم ازدواجية في الأخلاق وفي المعايير، ليس لهم وضوح تام، ولا فهم تام، ولا مواقف واضحة، المواثيق عندهم ضاعت، والعهود لم تعد عندهم لها أثر، والرمادية صارت حياتهم وشكلهم وهيأتهم، ناعقون للخراب والدمار، يتكاثرون كنبات الفطر، وكالذباب، ويتناسلون كالحيات، دمى بلاستيكية بدأت تحكي، أخشاب ميتة بدأت تتهيأ للحياة، كومبارس يحاولون أخذ دور البطولة، مهرجون بلا عقل ولا حكمة، مزيفون بجد، مصبوغين بألوان الزيف كلها، مثل حاوٍ يرقي أفاعيه، وممارسٍ يشرب النار، لكن لدغة الأفعة قد تصيب حاويها، ولسعة الجمرة تكوي قابضها لا سواه، أما اللعب بالنار مع الأعداء، فإنها لا تترك يابساً ولا أخضر، لا زرعاً ولا ضرعاً، وهذا ما لا يفقه المخربون الذين يسعون للشتات والخراب، كونهم جهلة ليس لديهم ذرة من حس وطني، أو شعور بالمصلحة العليا، أو دراية بالحال والواقع، أغبياء لا يعرفون غير مصالحهم الخاصة، يريدون الفوضى في كل شيء، دأبوا يقننون الفتنة والكارثة ليحولوها إلى أفعال وسنن رديئة، يريدون الأشياء عندنا تتجانس، القانون والفوضى، الضحية والجلاد، السجين والسجان، الصادق والكاذب، الوطني والخائن، العصابة والحزب، الأمين والمرتشي، الشرطي والحرامي، يريدوننا أن نغرق بالدماء والمفخخات والعبوات والأحزمة الناسفة، والمليشيات، والمحاصصات والتصنيفات، وأن تكون الأرض محروقة، والزرع ذابل، والحياة نائمة، نسائهم تهلل، ورجالهم تطبل، وأطفالهم يدرعمون، يعيشون في كذبة كبيرة، أطلقوها بأنفسهم، يريدون جلب الإرهاب لنا، ليمزقوا البلد، ويلبسوه طاقية الأحقاد والفتن، يظهرون علينا مرة على شكل مألبون، ومرة على شكل مصلحون، مرة بعمائم، ومرة بكرفتة، يريدون الفريسة، ويتخاصمون على اقتسامها، يتصارعون فيما بينهم، يهاجمون بعضهم ابعض، فهذا يتهم هذا، وهذا يتواطأ مع هذا، وهم على استعداد أن يبيعوا بلادهم ومجتمعهم كي يرضوا داعميهم والدافعين لهم، هم الوحيد تأجيج الحالة، والانتقام، واختلاط الدماء، وعلو اللعنات، لكن من يعتقد بأنه يستغل الظروف، والخروج بمكسب إضافي فهو واهم وهم شديد، فكل فعل ردة فعل، والسبر خطوة إلى الإمام لا بد أن يعقبها خطوة إلى الخلف، فحركة الكون هي مثل طبيعة المواد، فكل ما حولت تغيير طبيعة استقرارها عادت إلى حالتها الأصلية بعد حين، فعلى هؤلاء المألبون المتكالبون مع الأعداء الذين يسعون للخراب، أن يعودوا إلى رشدهم، وأن يفعلوا عقولهم، ولا يستمروا في تأجيرها للغير الأعداء، أو يبعدوا عنا غير مأسوف عليهم، ويتركوا بلدنا لنا، نرعاها وترعانا.