هاني سالم مسهور
عندما كان ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يتحدث في المؤتمر الصحفي بعد إطلاق «رؤية السعودية 2030» سألني أحد الأصدقاء كيف ترى الأمير اليوم أجبته: أراه كجَدّه المؤسس طويلاً بين الرجال، فعندما سُئلَ محمد أسد -(ليوبولد فايس قبل إسلامه)- عن رأيه في الملك عبدالعزيز اختصر رأيه في: (كان طويلاً بين الرجال) وأشار بيده إلى الأعلى، تماماً هذا ما نراه ليس في شخص الأمير محمد بن سلمان بل في أحفاد المؤسس الذين يقودون المملكة منذ أعوام أخيرة وعلى رأسهم ولي العهد محمد بن نايف، فالمقصد ليس في أطوالهم بقدر طموحاتهم وجرأتهم وعزيمتهم في الحركة والتغيير وإثبات قدرتهم على النجاح.
واحدة من أهم ما تطرقت له «رؤية السعودية 2030» لم يكن مذكوراً في ثنايا الخامس والعشرين من ابريل 2016م بل جاء منذ قرار الملك سلمان بن عبدالعزيز بإطلاق «عاصفة الحزم» التي كنا وما زلنا نقول إنها عملية تتجاوز رؤية الكثيرين بمحدودية تأثيراتها التي فعلياً تتجاوز العسكرية ضد جماعة انقلابية لأنها كانت مدخلاً سعودياً باتجاه مساحة أخرى تبحث عنها الدولة السعودية بحكم مرحلة تتماهى مع مقدراتها وإمكانياتها والأهم من ذلك كله مقدار ما تملكه من شعب قادر على أن يكون صاحب التأثير في الشرق الأوسط فكرياً وسياسياً ومعرفياً.
التحول الحقيقي حدث عندما أوعز الملك سلمان لجيل الشباب أن يتحملوا مسؤوولية قيادة هذه المملكة، تماماً حدث ذلك مع الملك المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- عندما أحدث التحول في تأسيس المملكة العربية السعودية وغرس في صدور أبنائه «الطموح والثقة» وهما خصلتان متلازمتان أبداً في أبناء الملك عبدالعزيز جميعهم بحيث يمتلكون من اليقين بأنهم قادرون على تحقيق الإنجازات وعندما يحققونها يعاودون الانطلاق إلى إنجازات أخرى، وهذا هو سر البلاد السعودية التي لا يمكن أن تقارن إنجازاتها بعدد سنواتها الثمانين.
الإسكان والتعليم والصحة والاقتصاد هي أربعة استهدافات مباشرة لـ «رؤية السعودية 2030» هذا يعني بكامل الوضوح أن المعركة التنموية هي ذاتها وأن التحدي السعودي مستمر منذ أن وضعت أول خطة تنموية في العام 1390 هـ وكانت تهدف إلى تأسيس البنية التحتية في الكهرباء والماء والخدمات الصحية، كانت مجرد بداية لا يعرفها كثير من جيل الشباب في السعوديين عندما لم تكن الرياض تتجاوز حي المربع شمالاً ومنفوحة جنوباً، كانت تلك بدايات كل الطموح والثقة.
هذا التحدي القادم وعلى مدى أكثر من عقد زمني يكتسب أيضاً أهمية لازمة تتمثل في قدرة المملكة على الاستمرار في ترميم الشروخات التي أصابت البيت العربي الذي يعتبر واحداً من التحديات الأهم فلا بد من تهدئة الشرق الأوسط، والاستمرار في مكافحة الإرهاب، وتخفيف الاحتقانات السياسية في عدة أقطار عربية، وهذا يعني بالتأكيد مزيداً من سياسة الحزم ضد السياسات الرامية لزعزعة أمن واستقرار منظومة الخليج العربي بشكل عام وهو تهديد ولا شك أنجزت فيه المملكة خطوات مؤثرة ونجحت في سياستها الصارمة في تحجيم قوى الشر التي تقودها إيران، ومع ذلك فإن تحصين الداخل السعودي خاصةً والخليجي عامةً عبر جرعات تعزز حمايته وتضمن أمنه واستقراره تبقى واحدة من الأولويات الداعمة لهذه الرؤية.
وتماماً كما نجحت المملكة في تصدر القيادة السياسية للعالم العربي والإسلامي فإنها مؤهلة للقيادة الاقتصادية وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال امتلاكها أكبر صندوق سيادي ستجني منه بحلول العام 2020م عوائد مالية تصل إلى 100 مليار ريال، وهو الذي يمكن أن يتحول إلى مصدر دخل رئيسي غير النفط، وهذا الصندوق السيادي سيوفر السيولة المالية بعيدة المدى حتى مع فترات التراجع والركود الاقتصادي العالمي، كما أنه وعبر زيادة حجم استثمارات المملكة الخارجية سترفع من حجم تاثيرها السياسي في عدد كبير من مراكز اتخاذ القرار الدولية لارتباط السياسة بالمصالح الاقتصادية بشكل وثيق ومباشر، كما أن الصندوق السيادي سيكون واحداً من المحركات الأساسية للاستثمارات في العالم وسيعمل داخلياً على تنمية اقتصادية مستدامة، إضافة إلى أنه سيقلل من المخاطر عبر تنويع الاستثمارات.
بالفعل إنه كالمؤسس طويلاً بين الرجال، طامحاً واثقاً بقدرات أفراد الشعب السعودي الذي سينخرط مئات الآلاف منهم في سوق العمل بعد أن انتهوا من فترة الابتعاث إلى الخارج، وهي مرحلة أخرى تذكرنا دائماً بفترة الابتعاث الأولى للطلبة السعوديين الذين قادوا سنوات طويلة في خطط تنموية تواصلت عبر سنوات أثبتت فيها المملكة نهضتها الاقتصادية، وحان للشعب السعودي أن يواصل الانطلاق لتكون بلاده واحدة من أهم خمسة اقتصاديات في العالم، وهو شعب قادر على النجاح، فهم يمتلكون «الطموح والثقة» ويمتلكون رجلاً طويلاً بين الرجال.