هاني سالم مسهور
في نهاية الثمانينيات الميلادية أعلن الخميني القبول بوقف إطلاق النار بعد حرب السنوات الثمان مع العراق واصفاً الهزيمة بتكرع كأسٍ من السُم في إشارة كاملة على مرارة الموقف وصعوبته وما يمثله في المشروع الإيراني، ولعل الخميني وهو مفجر الثورة الإيرانية وصاحب المشروع الطائفي التوسعي حينما تكرع السُم العراقي وصل إلى قناعة كاملة آنذاك أن لا إمكانية لمواصلة الحرب، وأن الاستسلام تحت ظرفية الواقع وإن كانت تمثل هزيمة مريرة إلا أنها قبول بواقع ما افترضته الأحداث في سنوات الحرب التي لم يحصد منها الشعبان العراقي والإيراني غير الموت وتركة كبيرة من الأحقاد، ومشاكل ضخمة في الاقتصاد والتنمية.
عبدالملك الحوثي يمسك حالياً بكأس مملوء بالسُم بل ويكاد يقترب أكثر من أي وقت مضى من شرب الرشفات الأولى ليعلن هزيمته ليس أمام «عاصفة الحزم»، وليس فقط أمام القرار السعودي الحاسم، بل أمام إرادة الشعب اليمني التي ترفض أن يكون اليمن محسوباً لتيارات ما يسمى المقاومة وأن يتم تصنيفه وفق التجاذبات الإقليمية، فالشعب اليمني يبقى عربياً منحازاً لعروبته متشبثاً بتلابيب الجزيرة العربية فهو جزء لا يتجزأ منها.
مؤشرات متسارعة جاءت على عدة أطراف حوثية منها عصام العماد الذي رحب بالمصالحة مع السعودية، غير أن الأكثر أهمية هو ما صدر عن يوسف الفيشي عضو اللجنة الثورية لحركة الحوثي دعا المسؤولين في إيران إلى «السكوت والتزام الصمت وترك الاستغلال والمزايدات في ملف اليمن» وكان رداً صاعقاً على تصريح مسعود جزايري نائب رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية الذي وعد الحوثي بالعون والمدد بعد أن تفاجأت إيران بخطوة الحوثيين نحو طلب التهدئة من التحالف العربي.
منذ 21 سبتمبر 2014م وهو تاريخ الانقلاب على الشرعية الدستورية في اليمن لا بد أن حركة الحوثيين وصلت إلى قناعة كاملة بانسداد كل الأفق الممكن لمستقبل انقلابهم وتحالفهم الخاطئ مع المخلوع صالح، فلقد انتفض شعب الجنوب ضد انقلابهم وهزمهم في عدن والضالع ولحج وأبين، وتحررت مأرب والجوف وكسر الحصار عن تعز، وبات الجيش اليمني على مشارف العاصمة صنعاء، هذا هو الواقع على الأرض، وهذه مآلات الحرب التي أشعل فتيلها الحوثيون ودفعهم المخلوع صالح إلى مغامرة باتت نهايتها محسومة ولم يعد أمامهم غير تنفيذ القرار الدولي 2216.
في 1967م كان حصار العاصمة صنعاء التي ارتضت التفاهم بين الملكيين والجمهوريين لتنهي صراع أربع سنوات على مسافة أمتار من العاصمة، وقد يكون الحال في تكرار ومماثلة فاليوم تقف القوات الشرعية على مسافة قصيرة من صنعاء، وتدرك دول التحالف العربي أن دخول العاصمة سلمياً وتسليم مؤسساتها للحكومة الشرعية دون حرب وعبر تفاهمات مع الحزام القبلي المحيط بالعاصمة يعني تكلفة أقل ليس من ناحية المال بل من ناحية الترميم في الشرخ السياسي والاجتماعي الحاصل في البُنية اليمنية.
إننا الآن نعيش في الأزمة اليمنية في مرحلة متقدمة جداً في اختبار النوايا بين أطراف النزاع اليمني، وإن كان الحوثيون يقتربون أكثر عبر إشارات أوضح نحو الاستسلام، وأن انهياراتهم العسكرية في جبهات الصراع وخاصة في تعز تؤكد أنهم يشعرون بالضعف وأنهم يعيشون مرحلة أخيرة قبل تكرعهم لكأس السُم التي أيضاً يجب على المخلوع صالح أن يتكرع أضعافها نتيجة الفساد الذي صنعه على مدار ثلاثة عقود لم تنته بغير حرب دفع ثمنها غالياً الشعب اليمني وحصد منها ألم ومعاناة.
يدرك التحالف العربي وهو يدعم القوات الشرعية ويساندها أهمية تغليب الدعوة الأساسية التي هدفت منها «عاصفة الحزم» والتي تمثلت في جزئين هما حماية الأمن القومي العربي بإسقاط المشروع الإيراني في اليمن، وهذا ما تم إنجازه منذ بداية العمليات العسكرية في 25 مارس 2015م، والجزئية الثانية هي استعادة الشرعية الدستورية التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء، هذه الأهداف الرئيسية تعني أن الدعم والإسناد لليمن سيستمر وفق ما امتازت به المملكة العربية السعودية في علاقتها التاريخية باليمن فهو الشقيق والجار الذي كان وسيبقى الحافظ للعهد وللجوار عبر دعم اليمن في تجاوز الاستحقاق السياسي الذي على الأطراف اليمنية أن تكون أكثر انحيازاً لمصلحة الشعب الذي لم يعد يحتاج سوى الأمن والاستقرار والأعمار.