د. محمد بن عويض الفايدي
الفرص والتحديات تتجاذب المخططين ووضعي السياسات وصناع القرار في كل المجتمعات والحضارات، وبمقدار قوة الانطلاقة نحو الأهداف والموائمة بين الفرص والتحديات باستشراف محسوب يستوعب الماضي ويُدرك الحاضر ويستقرئ المستقبل ويعمل على تجسيد الرؤى في استراتيجيات وخطط وأهداف وبرامج محسوبة النتائج.
يبدو أن الرؤية السعودية في هذه الانطلاقة 2030 اعتمدت منهج الصرامة وأدوات التحدي غير التقليدية التي تتخطى السلوك السياسي والإداري المألوف إلى إصلاح حقيقي يدفع بكل ثقله إلى محاور مفصلية ثلاثة يتقدمها البعد الروحي المتأصل في العمق الحضاري العربي والإسلامي، والمرتكز الاقتصادي في القوة الاستثمارية والمالية والتجارية، والموقع الجغرافي في البعد الجيو سياسي والإستراتيجي وجميعها عوامل ربما تكون أكثر فعالية إذا ما تظافرت القناعات السياسية والروحية والاقتصادية والاجتماعية في استدعائها بإرادة واعية، وإدارة رشيدة.
يسأل الله العون الملك سلمان ويسعى نحو تنمية شاملة وتحولًا حقيقي من منطلق الثوابت وبتظافر جهود المواطنين لتحقيق الرؤية السعودية 2030 لتكون نموذجا للعالم، وبتوظيف لكافة الإمكانات والطاقات والثروات لمستقبل الوطن الواعد والمواطن الحيوي.
يتطلع السعوديون إلى متوسط المتوقع من مقدار الجمع الكلي بين الطاقات الروحية والمادية والبشرية والتوجه بها في كتلة نحو هدف محدد «السعودية نموذجا للعالم». وفي هذا الإطار يدعو ولي العهد الأمير محمد بن نايف إلى شراكة وتكاتف وتعاون المواطنين لتنفيذ الرؤية السعودية التي تتجه باتجاه مستقبل واعد. وفي سياق ذلك يطلق ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مفاجأة لم تكن متوقعة من السعوديين بتحييد الاعتماد على النفط تدريجيًا والعيش بدونه في عام 2020 وهو الذي تجذر في الثقافة المجتمعية وقد يكون الانفكاك عنه يحتاج إلى مراحل علاج فكرية وثقافية واقتصادية وبيئية واجتماعية وإدارية وتقنية واسعة. فهل الجامعات ومحاضن التعليم ومراكز البحث العلمي قد استعدت فعلًا لذلك! أم لا زالت في مرحلة الاستعداد والتهيؤ؟. والذي بدوره سيكون له تأثير وتأخير على تنفيذ مسارات هذه الرؤية.
تطرح السعودية رؤيتها الجديدة التي تجعل منها نموذجا للعالم في سياق مرحلة إصلاحات حقيقة وجوهرية تعتمد منهجًا علميًا في إعادة تشكيل الوعي وصياغة الثقافة وتحديث المجتمع وحوكمة الإدارة وتمكين القيادة وتمتين الاقتصاد والاستثمار ورفع كفاءة إجراءات التنفيذ وأدوات التقييم والتقويم. الإصلاح مرهون بعنصر الزمن الذي لن يتوقف ولن ينتظر السعوديون النتائج طويلًا، إذ ربما لا تطال مراكز التقييم والقياس والرقابة على الأداء بعض مراكز القوى والتنفيذ، والذي قد لا يرتضيه السعوديون وقواهم المجتمعية الفاعلة التي ستكشف في ظل الشفافية والمحاسبة عن بعض جوانب الانحراف والقصور والترهل، والعالم كذلك يراقب وينتظر العائد من هذا التحول وأدواته، فمركز تقييم الأداء قد يواجه بعض التحديات الهيكلية والإجرائية، فكثير من الكيانات التي يعول عليها تعاني من ترهلات تراكمية لها سياقه التاريخي والإداري. فمجلس الشورى لم يكن حضوره بالقدر الكافي الذي يجعل تهيئته المجتمع ممكنًا بما يواكب حجم وضخامة برامج وطموح هذه الرؤية فانهماكه في الأزمات والمواقف الآنية صرفته عن الاستشراف، وقد لا ترتق أدواته للبحث العلمي استطلاع واستشفاف يُغير من واقع المملكة مستقبلًا ويرفع من كفاءة مواردها ويعالج المنحنيات الحرجة على خارطة نموها، والذي أفرز أحد جوانبه ما يبدو من عدم تفاعل مع القضايا أثناء مناقشتها بشكل تنصهر فيه أبعاد القضية المطروحة وخلفيتها بمعطيات من يناقشها لتذبل وتتسع دوائر النقاش حولها. فإصلاح منظومة الاقتصاد تحديًا مربكًا من الناحية الاجتماعية والسياسية والثقافية والإدارية أمام السلطة التنفيذية التي عليها مضاعفة الجهود وحشد الإمكانات لتخطي محددي الزمان والمكان وتجاوز التحديات التي لن ينتظرها الزمن، وسيكون تأخير معالجتها ليس مجذرًا لها فحسب بل سيجعل تكاليف مواجهتها أكثر تحديًا وأصعب مواجهة، فالقضاء والمحاكم الإدارية والتجارية تتطور ببطء وعليها السير قدمًا لاستيعاب التحضر والتقنية وتسريع الإجراءات وتقنين الإحكام وتوسيع قواعد التقنية والتواصل والاتصال. والكيانات الوزارية الاقتصادية والمالية والتجارية والصناعية والعمالية والإحصاءات العامة تتفرق جهودها وتفترق عند نقاط الالتقاء، وآن لها أن تتحد وتتوحد رؤاها واستراتيجياتها وخططها في إطار عام يمكن أن يقود الاقتصاد والمال والاستثمار والعمل ويوفر الاحصاءات الموثوقة والبيانات الدقية التي تستند إليها وسائل القياس وأساليب التقييم والتقويم، والتزام الحد الأدنى من المبادئ المحفزة للإبداع والابتكار ضمن نموذج وطني شامل يواكب التحولات ويؤسس لإدارة الكفاءات.
الرؤية السعودية المتكاملة نحو رفع مستوى الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والترفيهية، وتحسين مستوى المعيشة وزيادة نصيب الفرد في إجمالي الناتج المحلي، ورفع الكفاءة الانتاجية للإدارة الحكومية بتطويرها بشريًا وتقنيًا، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في التنمية ضمن بيئة محفزة للشراكة والتكامل الفعلي بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص بمنهجيات وبرامج وهياكل متناغمة ومنسجمة لاستيعاب عنصر العمل وتحفيز برامج التأهيل والإعداد والتدريب والتمكين القيادي، وبناء القدرات الوطنية اللازمة للتحول الحقيقي من الاستهلاك إلى الانتاج بتغيير الصورة النمطية عن المواطن السعودي من كونه مستهلكًا إلى كونه منتجًا، لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي باعتباره خيارًا استراتيجيًا للمنافسة ومواجهة التحديات وخلق مزيدًا من مجالات الاستثمار وفرص التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تبدأ بالمواطن وتنتهي إليه.