د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هذا عنوان المحاضرة التي نظمها مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية في 2 رجب 1437هـ، وكانت في الأصل مساهمة في مؤتمر جامعة القصيم(1)، وكانت وقفات متأنية عند بعض ما جاء في نقد أستاذنا فوزي الشايب وهو بحثه (في الصرف العربي: ثغرات ونظرات)، الذي نشر في العدد السادس (ربيع الأول 1436هـ) من مجلة مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية (ص ص 73- 178).
يعتمد فوزي الشايب في عيبه عمل الصرفيين على وصفه بالمعيارية وغياب الاستفادة من علم الأصوات، وليس ذلك دقيقًا.
أما اتهامه الصرفيين بالمعيارية فمتوقف فيه؛ إذ الواجب أن توصف معالجاتهم كلها ابتداءًا من كتاب سيبويه ليرى أن تلك الأحكام الصرفية اعتمدت أولًا على وصف اللغة بشهادة بعض الأعلام المحدثين، وكان عليه أن يفرق بين كتب الصرف العلمية وكتب الصرف التعليمية، وحسبه أن ينظر في كتاب المنصف وسر صناعة الإعراب لابن جني ليجد الوصفية، وحسبه أن يراجع دراسة الدكتور نوزاد حسن أحمد في كتابه (المنهج الوصفي في كتاب سيبويه) الذي قال فيه «لم ينضج الدرس الوصفي الحديث إلّا بعد مراحل كثيرة، في حين أنّ هذه المراحل قد وجدت طريقها مرة واحدة إلى كتاب سيبويه»(2). وذكر أن من المحدثين من عاب على الصرف العربي معياريته وسمى بعضهم مثل تمام حسان وعبدالصبور شاهين والطيب البكوش وداود عبده، ولكن بمراجعة أقوالهم نجدها تخالف ما ذهب إليه، إذ نجد إشادة بعمل الصرفيين وإن خالفوهم في بعض المبادئ. وأما الجانب الصوتي فقد تجلت معالجة القدماء في باب الإدغام من كتاب سيبويه ومقدمات معاجمهم كالعين للخليل وتهذيب اللغة للأزهري، وكتب القراءات والتجويد، ومعالجتهم لإبدال الأصوات وإعلالها وأحوال الإدغام والإظهار والإقلاب والإخفاء كل ذلك معتمد على علم الأصوات ولا ينكر ذلك إلا معاند، قد نخالف القدماء في التفسير ولكن مخالفتنا لا تلغي اجتهادهم.
وراح يعالج قضايا جزئية، فنسب إلى الصرفيين خلطهم الصحيح بالمعتل فلم يفرقوا، حسب قوله، بين ما هو ثلاثي وما هو ثنائي، وفي قوله هذا سطحية تعاند المنهج الوصفي الذي يلم بجوانب الظاهرة كلها، وهو ما فعله القدماء الذين أدركوا أن المعتل كالصحيح ثلاثي وإن تخلفت في بعض تصاريفه فاؤه أو عينه أو لامه، مثل (قال) لا نجد فيه الواو ولكنها تظهر في مصدره (قول) وفي الوصف (قوّال) وفي المزيد (قاول). ولكن ثنائية الألفاظ وثلاثيتها مضطربة عند أستاذنا فمرة ينسبها للصورة الظاهرة ومرة ينسبها للصورة الباطنة.
ونجده لم يوفق في أنه يعيب على الصرفيين القول بثلاثية الفعل الأجوف، وأنّ ذلك أصل تاريخي، حين يقولون إنّ (قال) في الأصل (قَوَلَ)، وقوله غير صحيح، فهم لا يزعمون أنّ (قَوَلَ) قد استعمل من قبل، بل هو فرض نظري بنوه على معطيات وصفية، وهو تحقق الأصل الثالث في تصاريف مادة الفعل الأجوف(3).
وهو يعيب على الصرفيين الفكر المنطقي والمعيارية؛ ولكنه في حديثه عن اشتقاق اسم الفاعل من الأجوف يصوغ عبارته صياغة منطقية تظهر في صيغة جملة شرطية (فإذا كان... وجب...). والوصف يكتفي بالتقرير ويتجنب الوجوب. وكذلك قوله بحذف عين الأجوف نكوص عن الثنائية وإقرار بالثلاثية وهو تناقض. وأما وصفه اسم الفاعل من المعتل اللام بأنه ناقص أبدًا على المستويين السطحي والعميق فهو جهل بالفرق بينهما. ونجده في بحثه لجأ إلى ما عاب الصرفيين به وهو التأويل والافتراض. وربما ذكر علة غير صحيحة كزعمه أن قولهم بنقل حركة سابقة على المد أملاه المنطق في مثل (يَقْوُل) يَقُول)، إذ نقل الحركة يقع في إدغام المضارع المضعف مثل يرْدُد)يرُدّ، بل قد تنقل الأصوات مثل (أيس) في (يئس)، و(آبار) في (أبآر).
وعلى الرغم من أنّه يعيب عليهم الافتراض نجده يذهب إلى الزعم بما لا دليل عليه، وهو أنّ العرب الذين يخلصون الكسر في المبني للمفعول من الأجوف مثل (قيل) هم أيضًا يخلصون الضم (قول)، وأنّ من يخلصون الضم (قول) هم أيضًا يخلصون الكسر (قيل)، وهذا مخالف لما أثبته التراث من استقلال اللغتين. واللغة الفصيحة موضوع البحث على إخلاص الكسر.
ومن الغريب إنكاره تعليل المازني المعتمد على التخلص من المتماثلات مع علمه أن المخالفة والمماثلة قانونان صوتيّان كلاهما فيه سبيل إلى التخفيف.
وأما انطلاقه في تفسير اسم المفعول من الناقص من البنية العميقة أو التاريخية كما يقول فمناقض لإلحاحه على الوصفية ولعيبه ذلك على الصرفيين.
وهو يستعمل الوصفية في تفسير المثنى المقصور بما يعاندها حيث يفترض إقحام ياء بين الاسم ولاحقة التثنية، والوصفية المباشرة تنظر إلى المثنى كما تنظر إلى المفرد فترى الياء في المثنى والألف في المفرد، وتقرر أن الياء في المثنى خلفت الألف في المفرد. وهو يتخلى عن وصفيته في تثنية المنقوص حين يقول مع القدماء بعودة الياء التي هي لام الاسم مع أنه لا يقبل عودة الياء التي هي لام المقصور.
ومهما يكن من أمر فإن من حقّ المحدثين بل من واجبهم مراجعة التراث؛ ولكن ذلك ينبغي أن يكون محفوفًا بالإنصاف والتدقيق والتعمق في ذلك التراث والانطلاق منه والبناء على منجزاته، والوصفية والمعيارية منهجان معتمدان في النحو العربي منذ مدونته الأولى كتاب سيبويه وهذا بعض ما ورد في تعقيب أستاذنا محمد ربيع الغامدي على هذه المحاضرة.
***
(1) المؤتمر الدولي اللغة العربية في الجامعات بين التراث والمعاصرة، 23/5/ 1437ه، 3/3/ 2016م. وكان عنوان البحث
(الخلل في استعمال المنهج الوصفي: نقد فوزي الشايب للصرف العربي أنموذجًا) ونشر في كتاب المؤتمر.
(2) نوزاد حسن أحمد، المنهج الوصفي في كتاب سيبويه (ط1، جامعة قاريونس/ بنغازي، 1996م)، ص 308.
(3) انظر: ابن جني، الخصائص، تحقيق: محمد علي النجار (دار الكتب المصرية/ القاهرة، 1957م) 1: 257.