قاسم حول
تبدو، لأول وهلة، أن ظاهرة معارض الكتب ظاهرة صحية في المنطقة العربية، حيث تشارك دور النشر في هذه المعارض وتعرض مطبوعاتها، وأحيانا تقيم الجهة المتكفلة باستضافة المثقفين لتقديم الندوات والمحاضرات الأدبية والنشاطات الفنية والمعارض التشكيلية.
أغلب دور النشر العربية تطبع للكاتب ألف نسخة من الكتاب، وتعطيه منها مائة نسخة يوزعها على الكتاب والنقاد والصحفيين، ويتحمل المؤلف عادة قيمة شحن هذه النسخ المائة من الدولة الناشرة إلى الدولة التي يقيم فيها.
ويحمل الناشر لمعرض الكتاب خمس إلى عشر نسخ من كل مطبوع يصدر عن داره الناشرة سوى بعض الاستثناءات لشعراء أو روائيين تحظى كتبهم بفرصة إعلامية.
أتابع نشاطات معارض الكتب وأحضر بعضها في بعض العواصم العربية، وتصدر الجهة المستضيفة إحصاءات عن عدد زوار المعرض.
في تنقلاتنا بين بلدان أوربا في القطارات، نشاهد أغلب جلاس القاطرة يقرأون، والقطار يجتاز المسافات الخضراء الجميلة والسهول والغابات والأنهر الجارية. فيما سافرت في قطارات عربية ولم أر شخصاً واحداً يقرأ في كتاب! والكتاب في الغرب يعيشون حياة مترفة للغاية بسبب وضعهم الاقتصادي المتأتي من مبيع مطبوعاتهم!
نظرة إحصائية دقيقة إلى معارض الكتب تعطينا النتائج المؤلمة للثقافة العربية.
معرض القاهرة للكتاب لعام 2015 بلغ عدد زوار المعرض قرابة المليون زائر، فيما يبلغ عدد نفوس مصر ستة وتسعين مليونا. وفي تونس بلغ عدد زائري معرض الكتاب لعام 2015 مائة ألف زائز فقط وقال أصحاب دور النشر أن تراجعا واضحا في عدد الزائرين بنسبة من ثلاثين إلى أربعين بالمائة عن المعرض السابق، فيما يبلغ تعداد نفوس تونس 11 مليون نسمة. وفي المعرض الدولي للكتاب في الرياض بالمملكة العربية السعودية لعام 2016 التي يبلغ تعداد سكانها 31 مليون نسمة، فإن عدد الزائرين بلغ مليونين وخمسمائة وستة وعشرين زائراً، وهي أعلى نسبة في زوار معارض الكتب العربية. وفي معرض الكتاب العراقي لعام 2016 لم يتجاوز عدد الزائرين طوال خمسة أيام أكثر من مائة ألف زائر ويبلغ التعداد السكاني للعراق ستة وثلاثين مليون نسمة، فيما كانت المقولة السائدة عربيا “الكتاب يكتب في مصر ويطبع في لبنان ويقرأ في العراق”!. فيما بلغ عدد حضور معرض أبو ظبي للكتاب خلال سبعة أيام 265 ألف زائر للعام 2015 في دولة الإمارات العربية المتحدة التي يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة. وفي الجزائر حيث يبلغ عدد سكانها أربعين مليون نسمة زار معرض الكتاب في العام 2015 حوالي نصف مليون زائر. وفي معرض الدار البيضاء في المغرب لعام 2016 بلغ عدد الزائرين ثلثمائة وأربعين ألفا في المملكة المغربية التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 33 مليون نسمة، وفي معرض الخرطوم للكتاب بلغ عدد زوار المعرض حوالي 250 ألف زائر في بلد يبلغ تعداد سكانه ثمانية وثلاثين مليون نسمة. كما تجاوز عدد زوار المعرض الدولي في الكويت إلى مليون وأربعمائة ألف في بلد يبلغ عدد سكانه أربعة ملايين نسمة.
توقفت معارض الكتب في بعض البلدان العربية مثل سوريا وليبيا بسبب الأحداث الدرامية التي عصفت في المنطقة.
إن مجموع زوار معارض الكتب في عموم المنطقة العربية لا يتجاوزون ثمانية ملايين زائر من مجموع نفوس الأمة العربية البالغة حوالي أربعمائة مليون نسمة. أي أن عدد المهتمين بالثقافة والعلوم والتربية وأدب الأطفال لا يتجاوز ثلاثة بالمائة فقط من مجموع السكان، وهؤلاء الزوار لا يقتنون الكتب بضرورة الزيارة، إنما يحضرون المهرجانات الاحتفالية والنشاطات الثقافية ومشاهدة نجوم الأدب والفن في نشاطاتهم التي يقدمونها داخل المعرض. ومن خلال مبيعات الكتب وطبيعتها يمكن قراءة التوجة الثقافي للمواطن العربي، الذي ينحى عن قراءة العلوم والروايات والشعر والفلسفة والتراجم، بعكس المواطن الأوربي الذي يميل إلى الثقافات الإنسانية الأدبية والفنية وكذلك العلمية وينأى عن قراءة الفلسفات الروحية!
لقد زجت السياسة العربية للحكام العرب، المواطنين في أتون الأمية الكاملة فزادت نسبة الأميين وزادت نسبة الفقر والفقراء في المجتمعات العربية، وتحت حد الفقر أيضاً، ولم تبق سوى نخبة النخبة التي تهتم بالثقافة، فيما الحكومات العربية مطالبة بوقفة جادة وبمسؤولية عالية لرعاية الثقافة بدءاً من محو الأمية المعرفية وانتهاء بمحو الأمية الثقافية وذلك عبر وسائل إعلامها وعبر مناهجها التربوية وسوى ذلك فإن مستوى الوعي سوف يتردى كثيراً، وسينعكس ذلك على بناء الأوطان والشعور بالانتماء والمواطنة.
لقد قال الكاتب المسرحي الروماني “كارجياله - ما قيمة كتاباتي إذا كان ثمانون بالمائة من الذين أكتب لهم لا يعرفون القراءة والكتابة”