د. صالح بن سعد اللحيدان
كنت في العدد 15822 من شهر ربيع الأول من يوم السبت 1437 قد كنت كتبت (على من تقع المسؤولية اللغوية والعلمية) وقد وجدت من ذلك البحث في هذه المجلة أن هذه قد اعتبرت ورقةً مهمةً لدى طلاب العلم حتى أن بعضهم جعلها مقدمةً في كتابه كالأستاذ: محمد بن أحمد العلي فلاته من مكة وكذلك الشيخ: مبارك بن زيد بن عويد الخامري من نجران.
وهذا ما دعاني إلى أن يكون ذلك العدد الذي ذكرته الآن مما يحسن الرجوع إليه من قبل كثير من العلماء والباحثين في أساسيات العلم الاجتهادي وأساسيات علم اللغة والنحو وكذلك فقه النوازل في العصر الحديث.
ولعل من أسباب حصول اللبس في كثير من المسائل العلمية واللغوية وضعف الاجتهاد العلمي لدى كثير من المجامع العلمية والمراكز البحثية هو الخلط في النقولات من المطولات في الأصول والفروع واختلاط النسبة بين هذا وذاك من العلماء.
وقد وقفت في حين مبكر على أن الأسماء والكنى والألقاب تأتي في مقدمة الخلل الحاصل لدى بعض العلماء لاسيما في الاجتهاد القضائي والفتوى وتحقيق المناط في فقه المستجدات في هذا الحين.
ولست أظن أنني أعدو الحقيقة إذا قلت إنما يقع الخلل من صاحبه الذي سار إليه على عجل.
وكذلك يصاحب هذا العجلة وحب الوصول إلى النتيجة.
وكذلك أيضاً ما وصل إلي فالمكتب العلمي والمجلس القضائي الخاص أن بعض طلاب العلم من الباحثين يوكلون غيرهم بالبحث عنهم من هنا وهناك في مسائل دقيقة وليس لطالب العلم إلا المراجعة والاسم فقط وإلا فإن غالب الجهد أو إن شئت فقل كله إنما يعود لمن وكل إليه ذلك البحث أو ذلك التحقيق أو ذلك التأليف.
وكنت في سنة 1400 إلى سنة 1403 قد وجهت تعميمين لكافة القضاة بأن مما يقع من تطويل القضايا وكثرة مراجعة الخصوم خاصة في مسائل العقار والمال والزوجية إنما يحصل بسبب عدم تصور الكامل للقضية ذاتها.
وذكرت في ذلك التعميم أن على القاضي في الحياة الزوجية أن يجعل الزوج والزوجة في مختصر واحد ليس عندهما من احد ويجعلهما من مدة نصف ساعة أو تزيد.
وحين جرى هذا في سنة 1400 أذكر أنها قد حُلت كثيرٌ من القضايا الزوجية حيث التقى الزوجان وحدهما فقط.
وأقصد من هذا أن طول التأمل في القضايا النازلة وفي تحقيق مناط الحكم وصبر غور الآثار العلمية واللغوية والنحوية كل ذلك يؤدي إشارةً إلى أن يتقدم العقل على العاطفة وينجر القلب إلى العاطفة متأخراً عن العقل.
والأسماء والألقاب والكنى قضيةٌ علميةٌ ذات إشكال عويص ولا مهرب من القول أن العلم موهبة ولا يحل محلها الشهرة وكثرة الظهور أو كثرة الأخذ والرد بين هذا وذاك.
فإذا كان العلم موهبة وكذلك اللغة فإنني أنحو باللائمة على الحاصل وليس ثمة نكير.
ولعل ما اكتبه الآن ليس كل شيء ولكن هذا جهد المقل فما بين سفري من تركيا إلى الرياض عن طريق الطائرة كنت قد ألممت بشيء من هذه الأسماء والكنى والألقاب.
وكم آمل من القارئ أن يلقي باله لما اكتب لاسيما المعنيين في شؤون العلم من أجل وضع النص في موضعه وإحالته إلى قائله من اجل تحقيق مناط الأمانة.
فخذ مثلاً هذا التشابه العجيب بين هذه الأسماء والتي قد يخلط بينها علماء كثيرون وباحثون أكثر ومحققون (وحدث ولا حرج ).
أولاً: هشام بن يوسف ويعتبر من القضاة ومن المفتين ويكنى بأبي عبد الرحمن الصنعاني أخذ العلم عن معمر بن راشد وعبد العزيز بن عبد الملك الملقب بابن جريج وكذلك أخذ العلم عن العالم الفحل القاسم بن فياض وعمل في القضاء كثيراً وكان نزيهاً أبتعد عن الثراء وحب الظهور.
ثانياً: هشام بن عبدالله الرازي الإمام المحدث الفقيه روى عن مالك بن انس والحسن بن عرفه وروى عن محمد الحنظلي المكنى ( بأبي حاتم ) وعن الإمام محمد بن سعيد العطار وهو إمام ثقة رحل الناس إليه ويكفي أنه روى عن عبد العزيز أبن المختار وحماد بن زيد الذي روى له الجماعة.
ثالثاً: هشام وهو ابن الكلبي وهذا الرجل لم يوثقه كثيراً من العلماء واسمه هشام من محمد ابن السائب وهو من الرافضة وله علم بالأنساب والتاريخ وهذا الرجل وإن قيل فيه ما قيل فهو معتبرٌ بالأنساب لكن يجب أخذ الحيطة.
رابعاً: هشام بن سعد ( وهو المدني ) ولا يجب خلط بغيره وقد ترجم له كثيرٌ من العلماء وأهل التاريخ.
خامساً: وهذا إمام حجه ثقة ثبت ويكنى بأبي بكر بن أبي عبدالله الربعي وهو من أهل البصرة وكان يأكل من كد يده يبيع ويشتري وكان ذا ورع وعبادة روى له أصحاب الحديث في كثير من الأبواب واسمه هشام بن أبي عبدالله الدستوائي الربعي حدث عنه كثيرٌ من العلماء منهم الإمام مسلم من إبراهيم والإمام عبدالرحمن بن مهدي شيخ الإمام احمد ومنهم أبو داوود سليمان بن الأشعث صاحب السنن وقد ثنا عليه كثيرٌ من العلماء عبر العهود.
سادساً: أبو عبدالله الأزدي ويوصف بالفردوسي وهو من أهل البصرة فإذا قيل الفردوسي فإنما ينصرف هذا إلى الإمام ه شام بن حسان روى عنه خلقٌ كثير كسفيان بن عيينة وحميد بن هلال وعطاء بن أبي رباج وسفيان الثوري وحماد بن زيد والإمام الحجة حماد بن سلمة شيخ سيبويه والإمام عبدالرزاق شيخ اليمن وهو من الكبار الأجلاء.
سابعاً: إذا قيل أبن الزبير أو قيل أبو المنذر القرشي أو قيل الإمام الزبيري فإنما المقصود به هشام بن عروة ابن الزبير ابن العوام الإمام الثقة الحجة روى عن أبيه وروى عن زوجته فاطمة بنت المنذر الإمامة المفتية الحافظة وهناك من لمز هذا الإمام فقالوا أن يرسل خاصةً عن أهل البصرة وعند التحقيق فإن هذا ليس بصواب ذلك أننا تتبعنا مروياته العراقية البصرية والكوفية والبغدادية والمدنية فلم نجد أنه يرسل.
نعم قد يقع له هذا لكنه لا يرسل إلا من باب العلم التحقيقي الذي يدرك معه مراده.
وإنما الذي لمزه لعله من الفقهاء أو من علماء المتون وليس هو من علماء الجرح والتعديل فكن من هذا على بينة.
من هذا المنطلق فإننا رأينا هذا التشابه بين هذه الأسماء الجليلة ومن هنا يقع الخطأ الذي قد يقع فيه من يقع من تختلط عليه الأسماء فيحيل نصاً إلى غير صاحبه أو يحيل أثرا إلى غير صاحبه أو يحيل حكماً شرعياً إلى غير صاحبه كذلك.
ولا عجب فإن كثيراً من مسائل العلم تحتاج ما في ذلك شك إلى شدة المراجعة وطول التأني وسلامة العقل من أن تتقدم عليه العاطفة إنما لحب الوصول إلى الخلاصة التي تراد منه ليثبت ما توصل إليه.
وهذا ولا جرم خللٌ حاصل قد رأيته يحصل في كثير من المحاضرات والحوارات في النوادي الأدبية ومراكز البحث العلمية.
ثامناً: وهذا إمام لست أظن أحدا يعمل في سياسة الحكم أو سياسة التنظير أو انه يبحث في سياسة الاستشارات العلياء الدولية المعاصرة إلا وهو بحاجة إلى قراءة ترجمة هذا الرجل.
وخذ ما شئت من كتب التاريخ أو الأخبار أو الأدب أو التراجم خذ ما شئت منها وأيم الحق أنك لعلك تظفر به إنه ( رجاء بن حيوة ).
ويكنى بأبي المقدام وإن شئت فقل يكنى بأبي نصر الكندي وهو من أهل الشام وله فضلٌ على هذه الأمة حينما رأى أن يعين عمر بن عبدالعزيز الخلافة.
وقد جمع بين سياسة الإدارة العلياء والاستشارة العلمية والعلم النقلي فقد روى عن عبدالله بن عمر وعن الصدي بن عجلان وعن قبيصه بن دؤيب كما روى وجالس معاوية بن أبي سفيان.
وقد جمع الله له بين العلم والفقه وسياسة الحكم.
ورجاء بن حيوه لا شك مع هذا أن معاودة قراءة ترجمته مع ترجمة عمر بن عبدالعزيز سواء بسواء سوف يحصل لك منها دون ريب ما أنت ساع إليه من طلب عمق العقل ووضوح الرؤية في سياسة الحياة وتنزيل الآثار عن الوقائع.
تاسعاً: وهذا الإمام لا شك أنك بحاجة إلى أن تتدبر أمره بواسع من النظر وبضرورة معرفة واقعه وحاله بالضرورة فقد أثنى عليه كثيرون وأنتقده قليلون لعلهم لم يكونوا من ذوي الاختصاص في قراءة التراجم والسير وله أراء وآثار مبثوثة في كتب التفسير والتاريخ واللغة وهذا الرجل هو وهب بن منبه ويكنى بأبي عبدالله الصنعاني ولد في زمن الصحابة ولقي عبدالله بن عمر وأخذ عن ابن عباس كثيراً وكذلك أخذ عن جابر وصاحب أبا هريرة ومكث في المدينة طويلاً ثم رجع إلى صنعاء وهو ملمٌ بالتوراة وروى له البخاري ومسلم عن طريق أخيه همام بن منبه وهمام بن منبه روى عن أبي هريرة رسالةً معروفة أجملها أهل الحديث بل قد رواه عنه الإمام معمر بن راشد المكنى بأبي عروة.
ويعتبر من التابعين الثقاة وقد قال أكثر من واحد من أهل العلم أنه من اعلم أهل زمانه.
وما قيل عنه أنه ينقل الغث والسميم فليس بذاك (فإن من حفظ حجه على من لم يحفظ ) بل هو إمام حسب نظري جليل المقدار ولا يصح في الأذهان شيئاً إذا احتاج النهار إلى دليل.
وبهذا ندرك أن علم التراجم والتفريق بين العلماء من حيث الأسماء والكنى والألقاب إنما ذلك أعتبره حسب نظري موهبةً من المواهب وقدرات زائدة لأ، هذا من أساسيات رد الحق إلى صاحبه لا إلى غيره.
ولا شك أن العلم إذا كان موهبة وكذلك اللغة فإن الاجتهاد العلمي والاجتهاد العقلي كل ذلك يحتاج إلى العقل بعيداً كل البعد عن طلب المنال لكن القصد هو ضبط العلم بضابطه وضوابطه.
وهذا إنما يحتاج إلى سعة البال وطول النفس والمكث وعدم الحرص على كثرة الظهور.
ولي إن شاء الله تعالى عودة.