هاني سالم مسهور
في تاريخ اليمن منعطفات حادة أدت إلى متغيرات سياسية في المشهد اليمني على مدار الثمانية عقود الماضية تحديداً، وكما يعتبر تاريخ 1934م هو واحد من أهم العلامات التاريخية في الملامح السياسية لليمن بعد أن شهد ذلك العام توقيع المملكة العربية السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية لاتفاقية الطائف التي أسست لبناء العلاقات السياسية بين الدول العربية كلها بعد تلاشي الأمبراطورية العثمانية، وتعد تلك الاتفاقية واحدة من أهم المراجع
السياسية التي تُقدم في العالم العربي لأنها حملت خصائص ما تحتمله الوشائج الاسلامية والعربية التي تترابط بها الجزيرة العربية وتحدد معالم العلاقات الفريدة في الصياغة القانونية وحتى التنفيذية بل وحتى التطورات التي شهدتها تلك الاتفاقية على رغم أنها كتبت في زمن بعيد.
المنعطفات التاريخية التي عرفتها اليمن منذ 26 سبتمبر 1962م تضعنا أمام تساؤل يحفزنا دائماً للاستغراق في قراءات التفصيلات السياسية اليمنية، فلماذا لا يتسع اليمن لكل اليمنيين ؟؟، تساؤل لطالما يسحبنا قسراً إلى البحث والتنقيب فيما يضيق صدر اليمنيين به عن أسباب الأزمات والصراعات المستدامة في بلد لا يمكن إطلاقاً أن يوصف بأنه بلد فقير الموارد شحيح الوعود، بل على العكس تماماً فاليمن شمالاً وجنوباً يمتلك من الجغرافيا والثروات والأهم من كثافة السكان ما يجعله بلداً قادراً على خوض معركة التنمية شأنه شأن إخوانه في جزيرة العرب.
يبدو أن اليمن لم يستطع تجاوز الانتقال الحقيقي نحو الدولة، وحتى نكون موضوعيين هنا فالتجربة السياسية اليمنية سواء كانت في جنوبه أو شمالاً لم تستطع إطلاقاً الخروج من دائرة استحكام القبيلة بمورثاتها وتقاليدها وأعرافها في السلوك السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بينما نجحت دول الخليج العربية في التزواج بين القبيلة بكامل خصائصها والدولة الحديثة وأخذت في التطور بحسب ما تقتضيه الظروف السياسية في العالم والإقليم برغم توالي الأزمات على الشرق الأوسط.
من المهم هنا أن نتجنب هذا النوع من المقارنات ونحاول الإجابة على السؤال الذي يطارد اليمنيين باستمرار، فالجنوب اليمني الذي كان تحت حكم السلطنات والمشيخات وعاصمته عدن كانت المستعمرة البريطانية التي أطلق عليها ( درة التاج ) انتهج بعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م نهجاً يسارياً حقق على مدار سنواته نظاماً صارماً خالياً من الفساد الإداري لكنه في الوقت ذاته فشل اقتصادياً وتنموياً ولم تشفع له سنوات النظام الإداري الناجحة في تجنب الصراعات السياسية المستمرة.
في شمال اليمن لم تنجح الدولة اليمنية في الانتقال من حكم الإمامة إلى الدولة بسبب طغيان القبيلة على الدولة، بل إن سلسلة الانقلابات السياسية وخاصة بعد اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي والذي حصل بعده وصول نظام المخلوع علي عبدالله صالح والذي سيطر على حكم اليمن على مدى ثلاثة وثلاثين عاماً زاوج فيها الدولة بالفساد، وارتبط النظام السياسي اليمني بأكثر سنوات التخبط السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
الصراعات السياسية في اليمن اسوأ ما فيها أنها جزء لا يتجزأ من العقد الاجتماعي المشكل لحياة الناس الطبيعية، فارتباط الشعب بشكل مباشر بهذه الصراعات صنعت مجتمعاً مخنوقاً في ظل استمرار التخبطات الاقتصادية وتعثر الخطط التنموية في اليمن، لم يعرف الشعب اليمني خططاً تنموية في التعليم أو في الصناعة أو حتى التدريب المهني ليمكن الاستفادة من المواطن ككادر بناء في المنظومة الخليجية.
لذلك شعر اليمنيين في فبراير 2011م أن ثمة ضوء في نفق طويل من التخبط، فكانت ثورة الشباب فرصة مواتية لتحويل اليمن من اللادولة إلى وضعها على السكة الأولى من الدولة، كان الفعل العاطفي عند كثيرين من أبناء اليمن أن لديهم الفرصة الممكنة للتحول والتغيير، حتى مع انتقال السلطة عبر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كانت الطموحات جديرة بالتشكل والارتسام في مخيالات اليمنيين.
يدرك كل من عبدالملك الحوثي والمخلوع علي عبدالله صالح أنهما معاً يشكلان العلاقة المتينة التي تربط اليمن بالدولة الفاشلة، ويدركان معاً أنهما يتحالفان ليس من أجل اقتسام السلطة السياسية، ويعرفان أنهما يتشاركان ليس في تعطيل المبادرة الخليجية وعرقلتها فقط بل أنهما يحاولان إفشالها لأن الفشل يعني أن يستمر اليمن محاطاً بتلك الأزمات والصراعات اللامنتهية وبذلك يبقى اليمن غير قادر على أن يسع أبناءه الذين يعانون من أن وطنهم طارداً لهم ولأحلامهم.
يتشارك اليمن حدودياً مع السعودية، التي تشاركه الجغرافيا والتاريخ معاً، وتتداخل معه في الأنساب والعادات والتقاليد والطبائع الإنسانية، عند السعودية تجربة فذة غرسها المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه الذي وضع أساساً للدولة عبر إرساء العدل، وجاء من بعده أبناؤه ليرسموا خططاً تنموية تمركزت كلها حول الإنسان، فكان التعليم ومكافحة الأمية، والصحة ومكافحة المرض، والأمن ومكافحة الخوف، ثلاثة استراتيجيات وضعها ملوك السعودية في خططهم التنموية صنعت أنموذجاً حضارياً لافتاً في العالم، وهذا ما على اليمن أن يسير عليه تماماً، فالسعودية الجار الذي كان وسيبقى للأبد جاراً مراعياً لما التزم به من عهود ومواثيق جعلته يمد يده مرة بعد أخرى ليمن حان له أن يتلمس طريقاً للسعادة في الحياة عبر وضع بذرة للعدل على تربته، وأن يكافح الأمية والمرض والخوف، عندها فقط سيسع اليمن كل اليمنيين..