كوثر الأربش
(لا أحد يرغب في وجود لا يتغير. إنّ ذلك يقود البشرية نحو الدمار والهبوط في الهاوية؛ فليس هناك ما هو ثابت للأبد، وإن أردنا تلخيص قانون الحياة وحركة شعوبها فإننا نستطيع أن نختصر كل ذلك بعيداً عن المهاترات الفلسفية والتنظير المزعج بما يلي:» الثبوت وهم، التغيير قانون يحكم كل شيء، كل شيء دون تحديد؛ فليكن ذاتيا ومخططٌ له قبل أن تحل الكارثة).
بهذه الكلمات يقدم أشهر مفكر وأحبهم لي «نعوم تشومسكي» أهم وصاياه، وهي نفس الجمل التي أردت اختيارها استهلالا لمقالي هذا؛ لسبب مهم وجوهري؛ فبعد مرور قرابة الأسبوع من طرح «التحول الوطني» الذي تحدث عنه الجميع من كُتّاب ومحللين اقتصاديين بطريقتهم المفيدة وعقدت له المؤتمرات والندوات الإعلامية مع قائمة مبشرة من التفاؤلات الرقمية كان المغري بالنسبة لي عكس ذلك على الإطلاق رغم أهمية ما قالوه. ما أغراني حقًا هو استيعاب فكرة التحول نفسها، الإيمان بها، الشعور بأنها الخلاص والمنقذ أمام كل العقبات المستقبلية. لقد كنا في السابق نمقت هذه الفكرة أو لأكن منصفة نتجاهلها. نشعر بأنها فكرة ترفيّة وبأن استمرار الحال على ما هو عليه هو الخيرة والصواب في كل شيء من أمور حياتنا أو معتقداتنا. على مر التاريخ كانت هذه هي الفكرة الأخطر على التفكير البشري, لقد كانت الأعنف والأشرس فعلا؛ فتخيل فقط أنني أنا تحديدا من أكتب هذا المقال لم أغير الكثير من قناعاتي المتوارثة. لو أنك أنت من تقرأ هذا المقال كنت نفس الشخص الذي كنته قبل أعوام طويلة في حين أن الجميع من أصدقائك أصبحوا أشخاصاً مختلفين أكملوا دراساتهم العليا، تعلموا لغاتٍ جديدة، ألفوا كُتبا، ابتكروا اختراعا، تركوا بصمة جميلة في مضمار حياتهم. وأنت لم تفعل أيّ شيءٍ من كل هذا؛ لأنك فقط تشعر بأن كل شيء بخير وأنه يجب أن يكون على وضعه دون تغيير أو طموح. فكيف ستكون الكارثة قياساً على مستوى دولة نحبها ونشعر بأننا بحاجة ماسة لبذل كل طاقاتنا بإخلاص نحوها؛ لأنها في السابق بذلت كل طاقاتها نحونا وكانت ترعانا مع كل خطوة نقوم بها.
ما يجب أن نؤمن به: هو أن التحول لا يأتي هكذا اعتباطاً أو صدفةً. بل يأتي بعد إدراك كامل للخيارات الأخرى، للمخاطر القادمة، للمستقبل المخيف الذي يحيط بالمنطقة. خصوصاً في ظل تطور آليات استخراج النفط الصخري واضطراب الاقتصاد العالمي ليس هذا تنظيراً مني بل كان واضحا في المقطع الذي قاله الأمير محمد بن سلمان حين قام الأستاذ تركي الدخيل بسؤاله حول مخاطر هذه الرؤية فأجاب بطريقة سريعة تنم عن تفكير مطول لكل الخيارات الأخرى قائلا: «الخطر ليس التحول الوطني، الخطر الحقيقي هو أن لا نتحول!» هذه هي الجملة تحديدا التي جعلت وصية المفكر نعوم تشومسكي تقفز إلى ذهني بعد أن قرأتها منذ سنوات طويلة ونسيتها وبأن لا أحد يرغب في أي شيء لا يتغير؛ لأن ذلك يعني الجمود. وأن الكارثة الحقيقية ستحدث حين لا نستوعب ذلك.