منيف الصفوقي
يزعم البعض أن إيران اخترقت الدول العربية، وأسست ميليشيات إرهابية؛ لأن الأنظمة السياسية العربية هي مَن ساعدت على ذلك؛ كونها همَّشت وأقصت الشيعة.
هذا الزعم يردده باستمرار مَن يصنفون أنفسهم بالمستقلين أو المحسوبين على تيارات علمانية وليبرالية؛ وبناء عليه يطالب الزاعمون الطبقة الحاكمة في الدول التي تكافح إرهاب إيران بإظهار مؤشرات حسن نوايا!، وأحياناً يقدمون طرحاً يتجاوز تساوي المواطنين بمختلف انتماءاتهم أمام الدولة.
زعم التهميش يدحضه أمران؛ الأول أن التهميش لا يقود إلى الإرهاب؛ فإيران تهمش السنة وتقصيهم، بل تستهدفهم، ومع ذلك لم تظهر ميليشيات سنية، والسبب أن الدول العربية لا تنتهج أسلوب إيران في رعاية الإرهاب، كما أنها لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى.
الأمر الآخر هو ما أكدته المعارك التي دارت بين البيشمركة الكردية وميليشيات الحشد الشيعي الإرهابية؛ فهذه المعارك -على وجه التحديد- دارت بين الأكراد وميليشيات إرهابية شيعية تركمانية.
تركمان العراق تاريخياً محور قضاياهم في العراق منطلق من أساس قومي عابر للمذهبية، لكنهم فوجئوا بأن إيران استطاعت تكوين فصائل مسلحة من منطلق مذهبي شق القومية التركمانية إلى نصفين، في حالة إعادة إنتاج للحالة العربية العراقية التي حولت إيران فيها شيعة العراق إلى أداة قتل وتخريب وإرهاب تعدت عرب العراق إلى كل مكان.
وعلى الرغم من الجفاء الشديد بين الأكراد والتركمان في العراق والصراع على هوية كثير من المناطق المشتركة إلا أن غالبية التركمان مالت في المعركة إلى الأكراد، والسبب في ذلك لخصوه في جملة «إيران تحاربك بأهلك».
إيران تريد من الميليشيات الشيعية التي تصنعها أن تكون أداة قتل الآخر، وهذا ليس من باب شيطنة إيران، فالتهميش المزعوم يكذبه الواقع المعاش والتاريخ القريب؛ فنظام صدام حسين حكم العراقيين بمختلف مذاهبهم وأديانهم وقومياتهم، ومارس السطوة على الجميع، ومع ذلك قتل أكثر من مليوني عراقي غالبيتهم من السنة، وهجر الملايين على يد ميليشيات الموت الشيعية التي أسستها إيران منذ وصول الملالي إلى الحكم من أجل قتال العراق جيشاً وشعباً.
في لبنان، حزب الله الإرهابي أقصى الجميع، وقضى على التنظيمات والأحزاب المسلحة التي كانت تقاتل إسرائيل، كل ذلك من أجل احتكار السلاح، وتأسيسه لم يأتِ نتيجة تهميش. وفي أحداث بيروت المعروفة بـ7 أيار انقض الحزب الإرهابي على المدنيين المخالفين له، وتحديداً السنة والدروز؛ لأنهم أرادوا دولة طبيعية لا دولة ميليشيات إرهابية.
الثورة السورية أكبر شاهد على كذبة علاقة التهميش بظهور توابع إيران الإرهابية؛ فنظام الأسد حكم السوريين بالحديد والنار، وهو علوي وغالبية الشعب المغلوب على أمره عرب سنة، وهناك أكراد ومسيحيون ودروز وغيرهم، ومع ذلك ظهرت ميليشيات سورية إرهابية «كتائب الدفاع» أسستها إيران وتشرف عليها، وهي والميليشيات الشيعية الإرهابية الآتية من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان كلها أسهمت في قتل نحو مليون سوري وتهجير وتشريد سبعة ملايين في داخل سوريا وخارجها.
إيران وميليشياتها الإرهابية عقيدتها قتل الآخر والقضاء عليه، وأما مَن يلتمس لها الأعذار بحجة تهميش فئة أو طائفة فهذا جاهل خطره لا يقل عن خطر الإرهابي الذي يحمل السلاح؛ فهو مزيف للواقع يصور أفعال الإرهاب على أنها رد فعل.
هذا التصوير يلطف هذا الإرهاب ويشرعنه على أنه شكل من المعارضة أو المقاومة أو الدفاع عن النفس.
هؤلاء المعذرون لإيران هم السبب الرئيس في تأخر التصدي لها خلال العقود الماضية، هم مَن خذلوا، وهم مَن شككوا بنوايا كل محذر من خطر طهران، وهم مَن أوجدوا جدلاً حول شكل العلاقة بين المواطن والدولة، وبسببهم دارت كثير من الدول العربية في حلقة مفرغة.