د. فوزية البكر
لو تتبعنا سجالات الداخل السعودي عبر معظم القنوات لتبين لنا أنه سجال يدور في فلك معضلتين لم يتم فك الاشتباك حولهما حتى الآن في الفضاء العام وهما مسالة المرأة ومسألة الهوية والانتماء.
تعقد كلا المسألتين جاء من ارتباطهما التاريخي بأيدلوجية إقصائية متطرفة تنظر في المسالة الأولى وهي المرأة كمخلوق ناقص عقلياً وجسمياً أي أنه غير مساو للرجل على المستوى الإنساني بما يوجب وضع أنظمة خاصة تكفل الإشراف عليه كما تنظر إلى الانتماء باعتبار أن الانتماء للدولة الحديثة يتعارض مع المقدس الديني في انتمائه لنموذج الدولة الإسلامية الذي لا يمكن تطبيقه كما في عهد الخلفاء الراشدين نظراً لتعقد العالم الحديث بكافة متغيراته السكانية والاقتصادية والسياسية والمعلوماتية.
المحزن أننا لا نملك خيارا اليوم في أن نقبل هذا أو ذاك فما يشهده عالمنا من تغير في أوضاع المرأة السعودية من تعليم وتدريب وعمل في كافة القطاعات يجعل أمر تعديل الرؤيا القاصرة وغير الإنسانية التي تحكم المرأة أمراً حتمياً ولذا من المحزن أن تبقى أنظمة موغلة في توحشها ولا إنسانيتها هي من يحكم المرأة السعودية ويعتقل قدراتها في كل خطوة وإليكم بعض هذه النماذج التي نشرت مؤخراً في الصحف المحلية:
- المرأة السعودية المتزوجة من أجنبي لا تمنح الجنسية لأبنائها وزوجها فهي كفيلته قانونا! (يعني حاله حال السواق؟ معقول؟ في حين تتمتع الزوجة الأجنبية بعد خمس سنوات بالجنسية أو حال إنجابها لطفل!) مؤسسة الزواج هي مؤسسة مصانة شرعاً في حالتي الرجل والمرأة بما يحتم دعم أطراف هذه المؤسسة ودعم قراراتهم لضمان استقرارا العائلة بغض النظر عن الجنس)! هذا هو المنطق الشرعي والعالمي.
- حديثا وحديثا فقط صدر أمر السماح للمرأة السعودية بالحصول على صورة من عقد الزواج! تصوروا ياللهول! عقد هي طرف أساسي فيه ولم يكن يحق لها الحصول على نسخة منه ؟؟؟ أي تهميش؟ وبهذا يصبح الحصول على صورة عقد شراء قطعة أرض مثلا أسهل من الحصول على صورة لعقد الزواج؟! يا للسخرية؟
- المرأة السعودية وحتى هذه اللحظة لا تستطيع الالتحاق بأية مؤسسة تعليمية أو وظيفية دون موافقة ولي الأمر وهو هنا الأب أو الأخ أو الزوج أو العم أو أو. تصور أنك لا تستطيع إكمال تعليمك مثلاً أو الحصول على وظيفة شريفة تسد بها حاجتك إلا بموافقة شخص آخر باعتبار أنك غير مسئول عن نفسك ومن ثم أوجبت المؤسسات الحكومية والخاصة هذه الآلية, فلم يكف المرأة معضلة البحث عن عمل مناسب وهو النادر في أيامنا هذه بل لابد من التفكير في معضلة الولي التي لا يمكن تحقيق احتياجات المرأة الأساسية من تعليم أو عمل إلا بموافقة الرجل في حياتها ؟ يا الله..رحماك يارب في النساء الفقيرات الضعيفات اللاتي يقعن تحت رحمة أولياء غير متعلمين أو مرضي نفسيين؟ من يعلم عن معاناتهن اليومية؟ من يساعدهن والنظام التنفيذي على أرض الواقع يقف في وجوههن؟ هنا تأتي أهمية التفكر في قضية المرأة كمشكلة فكرية وثقافية أولاً حتى يمكن كسر هذه النظرة العنصرية لها من خلال معادلة بسيطة: المواطنة حق للجميع بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو مذاهبهم أو مناطقهم وكل هذه الأحمال العنصرية (من مناطقية ومذهبية) تقع أيضاً على ظهر المرأة إضافة إلى عنصرية القانون فمتي تعتق النساء في بلادنا؟ الهوية هي المعضلة الثانية الأكثر تأثيرا في الصراعات الفكرية السعودية ومع أنه من المنطقي أن نفترض أن إنسان العصر الحديث سيعطي ولاءه للدولة الحديثة التي يعيش على أرضها ويدرس في مدارسها وتلد أمه أو زوجته في مستشفياتها ويحصل طفله على التطعيمات عبر مراكزها الصحية ويحصل على هويته الوطنية وشهادات ميلاد أطفاله من مؤسساتها ولا يتمكن من سفر أو قضاء حاجة إلا من خلال آلياتها الحديثة ومع ذلك لا زال يدور النقاش يدور حول أين ولمن أمنح ولائي وهويتي المضطربة ولا زال الصغار من عمر السادسة عشر والعشرين يذهبون إلى ميادين القتال ويحاربون ضد دولتهم التي يحملون جنسيتها بحيث تعرضت المملكة بسكانها ومسئولها وأراضيها لأكثر من ثلاثين عملية إرهابية خلال العام المنصرم حسب تصريح وزارة الداخلية المنشور في جريدة الحياة يوم 2 مايو 2106 أي بمعدل عمل إرهابي كل 12 يوم؟ لماذا لأن هناك من لا يزال يشكك في انتماءاته ويمنحها لغير الدولة الحديثة؟ لأن مفهوم الهوية المتمزق ما بين الولاء لمفهوم الدولة الدينية الذي يتسيد في حال الصراعات الفكرية على مفهوم الهوية في عقلية هؤلاء الشباب وهي القضية التي يجأن نعترف بأن عجزنا عن طرحها علنا ومناقشة مسبباتها والبحث بعمق داخل النظام الثقافي والتعليم السائد عن أصولها هو ما غذى ولا يزال, هذه الأفكار المنحرفة وهو ما أظهر هذه الحالات المتنافرة التي أخافت الجميع فالقتل هو الحل حتى لو وقع على أقرب المقربين من أعضاء الأسرة كالعم والخال والأخ كما ظهر من الحالات المرعبة التي شهدناها مؤخرا والسبب كما أرى يعود لمعضلة الهوية المشوش الهش الذي لا زال مضطرباً عند الكثير من الشباب والشابات فما نحن فاعلون؟؟؟؟