د. عبدالرحمن الشلاش
خلق الله الإنسان وكرمه بالعقل، و به ميزه على سائر المخلوقات، ومن شدة اهتمام الدين الإسلامي بالعقل أن جعله مناط التكليف، وقد وصف القرآن الكريم الذين يعطلون عقولهم بالإنعام بل هم أضل فهم لا يتعظون ولا يعتبرون ولا يتدبرون ما يسمعون ولا يتأملون ما حولهم، قال تعالى:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44) سورة الفرقان فالأنعام لم ترزق بنعمة العقل لتستخدمه فيما ينفع بينما هؤلاء البشر الذين أغدق الله عليهم نعمه ومنها نعمة العقل فعطلوه فكانوا بتعطيلهم أضل من الأنعام.
لقد قرر الإسلام الفطرة التي خلق الله عليها الناس، فهي فطرة الإنسانية ذات الإدراك والعقل والفهم التي جعلت الإنسان مسؤولا عن تصرفاته ومحاسبا على أفعاله. استخدام العقل في العصور الإسلامية المزدهرة أنتج حضارة عظيمة ما زالت الأمم الأخرى تنهل منها وتبني عليها.
فقط حين سمح في تلك العصور وشجع على تطبيق المناهج البحثية والفلسفية و تدفقت إبداعات الاستنتاج والاستقراء والتحليل والمقارنة وغيرها من المهارات العقلية.
وقت ازدهار العقل نهضت الأمة الإسلامية فورثت نتاجا عظيما.
أفلا يتدبرون، أفلا يعقلون، أفلا يتفكرون ندب إلهي لتشغيل العقل فيما يرى الإنسان من مخلوقات، وما يسمع، وما يقرأ من نصوص له الحق في قبولها أو رفضها وبذلك يكون متكاملا في فطرته مستقلا بذاته له الحرية في رأيه لكنها حرية لا تتعارض مع حريات الآخرين، إذ هي ليست بأي حال مبررا لانتهاك الحريات وكسر الأنظمة لذلك يكون العقل الراشد الضابط للسلوك والموجه لمنع أنواع الخلافات غير المحمودة و التعارضات وانتهاك الخصوصيات.
من أكبر المحن التي تواجه الأجيال الحالية المحاولات المستميتة لتعطيل عقولهم من أجل الاستحواذ عليها لسجنها في زنزانة محكمة الإغلاق ثم إطلاق تلك الأجساد دون عقول وكأنها وحوش ضارية مروضة لأصحاب الفكر المنحرف أو المتشدد تدين لهم بالولاء والطاعة، وتنفذ الأوامر دون أدنى تفكير.
لقد بدأت عمليات حبس العقول في أوقات مبكرة بتطبيق مناهج تعليمية تعتمد على الحفظ والاستظهار، وقراءة لنصوص يفترض أنها غير قابلة للنقاش.
عطل التعليم لزمن طويل استخدام المهارات العقلية، والمناهج التجريبية فأنتج مخرجات تحفظ دون أن تعقل أو تدرك ما جعلها سهلة الانقياد، سهلة التطويع والتشكيل تدين بالولاء والطاعة العمياء لمن يقودها، ولأي صاحب توجه ضال، أو فكر منحرف، سهلة الانقياد وهنا مكمن الخطورة بل والكارثة والنكسة التي حلت ببعض الشباب للأسف.
تعطيل العقول بدايات الانحراف عن الفطرة السوية.
صرنا اليوم نتحدث عن أولئك الذين تشبعوا بثقافة القطيع الذي يتبع كل ناعق، وكل شاذ، والكارثة اليوم أن هؤلاء ممن تم تجهيزهم يتعاملون مع التقنية فيسلمون أنفسهم لأي جماعة متطرفة، أو أحزاب ضالة، أو جماعات إرهابية مجرمة مثل داعش وقبلها القاعدة.
لو كان هؤلاء الأتباع لمن هب ودب في كامل وعيهم وإدراكهم، ولو كانوا فعلا يستخدمون عقولهم لفرقوا بين الصالح والطالح، ولأدركوا ما ينفعهم ويضرهم، ولعرفوا أن طريق الجنة بالعمل الصالح لا القتل! لكن عطلت عقولهم ومسخت فانحرفوا عن الفطرة السليمة.