د. عبدالرحمن الشلاش
لأن المملكة العربية السعودية دولة حديثة النشأة قياسا بغيرها من دول العالم فقد تكونت كثير من مؤسساتها الحكومية لمقابلة ضرورات معينة، أو لمواجهة مطالب مجتمعية في ظروف طارئة، هذا طبعا عدا المؤسسات المعروفة مثل وزارات الداخلية والخارجية والدفاع والتعليم والتجارة والزراعة وغيرها من وزارات وهيئات تمارس مهام واضحة وتمتلك صلاحيات تمكنها من تنفيذ أعمالها.
ولأنه قد نشأت بعض التنظيمات المستقلة عن تلك الوزارات نتيجة لوجهات نظر في بدايات التأسيس توجهت الدولة منذ سنوات للقيام بإجراءات جادة للتنظيم الإداري بهدف منع الازدواجية والتضارب و الهدر، وتحديد مرجعية واحدة لكل مجال وفق سياسات واضحة فضمت في وقت مبكر كليات المعلمين وكليات البنات والرئاسة العامة لتعليم البنات سابقا، وإدارات الثقافة والتعليم في بعض الوزارات إلى وزارة التعليم العالي والتربية والتعليم قبل ضمهما في وزارة واحدة حاليا تحت مسمى وزارة التعليم، وفصلت العمل عن الشئون الاجتماعية في وزارتين مستقلتين، ونقلت الثقافة من التعليم إلى وزارة الإعلام، والاقتصاد من وزارة المالية إلى وزارة التخطيط، والمياه من وزارة الزراعة لتنضم للكهرباء، إضافة إلى ترقية بعض الدواوين والهيئات والمؤسسات لتكون في مستوى وزارة فنشأت وزارات جديدة مثل وزارة الخدمة المدنية، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، ووزارة الإسكان, مع بقاء بعض الهيئات على وضعها، والهدف بالتأكيد ليس مجرد تغيير مسميات أو إلغاء مؤسسات قائمة بقدر ما هو أكبر من ذلك، فالغرض من التغييرات المستمرة مقابلة الاحتياجات الجديدة فليس من المعقول والمنطق أن تبقى الأمور كما هي دون تغيير رغم الضرورات. حين يجد ما يستدعي إعادة التنظيم تبادر الدولة بذلك للمصلحة العامة، وبعض الهيئات القائمة ربما تتحول إلى وزارات في المستقبل أو تلغى لانتفاء أسباب وجودها أو تضم إلى وزارات قائمة حتى لا تترهل تلك الأجهزة أو يصبح وجودها ضمن الهيكل الحكومي غير مجد.
في الوقت الحالي ربما أصعب أمر يواجه الدولة في مسألة التنظيم الذي تسعى لاستيفائه بما يحقق الأهداف وجود أكثر من جهة تمارس نفس المهام وبطبيعة الحال يحدث مثل هذا الأمر إرباكا شديدا وتنازعا للسلطات ووجود ثغرات قد تؤدي إلى أخطاء يتضرر منها الناس. في المحاكم مثلا وليس حصرا تتحد المسئولية في إصدار الأحكام على كافة القضايا المنظورة، لكن تنفيذ تلك الأحكام من اختصاصات الأجهزة الأمنية ولو قامت المحاكم بالتنفيذ لألغت بذلك دور أجهزة الأمن والتي من أولى مهامها الضبط والتحقيق وإيداع من تثبت إدانتهم في السجون، ولو حاولت أي هيئة أخرى القيام بتلك المهام من مداهمات ومطاردات وقبض على المخالفين والمجرمين والمتحرشين ومدمني المخدرات لشكلت بذلك قوة أمنية أخرى تمارس نفس المهام وتتمتع بنفس الصلاحيات، لذلك نجد أن بعض الدول لديها وحدات خاصة لمراقبة الأخلاق والسلوكيات العامة، وتوجيه المخالفين و إبلاغ جهاز الشرطة عن المتجاوزين ليتم ضبطهم وإحضارهم وفق المتبع.
التنظيم الدقيق يؤدي للتكامل بين أجهزة الدولة و بما يحقق المصالح العامة، وما تقوم به الحكومة من إجراءات مستمرة للتنظيم اتساقا مع التغيرات المجتمعية تلقى أصداء إيجابية وارتياحا لكثير من الشرائح. الأهم هو تفهم الناس لتلك القرارات الجريئة وأنها تصب في النهاية في مصلحتهم.