عبدالعزيز السماري
أجد صعوبة بالغة في فهم ذلك الموقف المتساهل من قضية اغتصاب الأطفال أمام المحاكم الشرعية، ودائماً ما يلفت نظري الأحكام المخففة عند مقارنتها على سبيل المثال بالحكم بالقتل على مغتصب القاصرات، وقد تراوحت أحكام القضاء على مغتصبي الأطفال بين سنوات قليلة، وأحياناً شهور مع جلد، وذلك حسبما نشرته وسائل الإعلام، ويمكن التأكد من ذلك من خلال محركات البحث..
بينما كان الحكم القضائي على مغتصب الأطفال في دولة علمانية مثل تركيا خلال هذه العام السجن لمدة 508 سنوات على معلّم للصفوف الدنيا في مدينة كارمان، والمتهم باغتصاب 10 أطفال على الأقل، في حين حكمت محكمة سعودية خلال هذا الشهر حكماً قضائياً يقضي بسجن شاب (19 عاماً) عشرة شهور وجلده 80 جلدة متفرِّقة، وذلك لقيامه بمحاولة فعل فاحشة اللواط بحدث (14 عاماً)، وأشار الأب في بلاغه إلى أن الشاب استدرج ابنه الصغير أثناء وجوده بالقرب من منزله، ثم قام بمحاولة فعل فاحشة اللواط بالقوة..
تثير مثل هذه الأحكام كثيراً من الأسئلة عن الموقف التشريعي المتساهل من هذه الجرائم الشنيعة، والتي تعتبرها القوانين الوضعية في بلاد الغرب من أشد الجرائم الإنسانية، وذلك لما فيها من انتهاك لكرامة وحقوق الأطفال القاصرين، ولعل أهم الأسئلة تلك التي عن طغيان الفهم الجامد والحرفي للشرع الإسلامي..
ولماذا يجعل التفسير الفقهي عن علة السكوت عن هذه الجرائم الشنيعة من اغتصاب الأطفال الذكور أقل جرماً من اغتصاب القاصرات، ولهذا السبب تصدر أحكام مخففه لمغتصبي الأطفال الذكور، ويصدر حكم بالقتل على مغتصب القاصرات.
كلاهما فعل شنيع للغاية، ويجب أن يكون الموقف الشرعي منهما موحّداً، وأن ينال فاعل الفاحشة في الأطفال القصّر أشد العقوبات الممكنة، وسكوت النص عنها لا يعني ترك الحبل على الغارب، بل على المجتهدين الشرعيين أن يصدروا موقفاً موحّداً من اغتصاب الأطفال، وأن يكون الحكم قاسياً ورادعاً لهذا السلوك الإجرامي، وأن لا يتهاون القاضي مع مغتصب الأطفال الذكور.
ليس عندي أدنى شك أن الشرع يضع هؤلاء في خانة المفسدين في الأرض، والذين يستحقون أشد العقوبات، ولكن مع ذلك أجد صعوبة في فهم تلك الأحكام المخففة في هؤلاء، ولماذا لا تصدر عليهم الأحكام القاسية، وهل لذلك علاقة بالثقافة الاجتماعية؟ وهل فعل الفاحشة في الأطفال الذكور أمر مقبول نوعاً ما في الثقافة الشعبية.
يدخل في ذلك أيضاً الموقف من سرقة المال العام، وغياب الأحكام القاسية في حق مرتكبيها، وأيضاً قضايا العفو عن بعض مروِّجي المخدرات بحجة أنهم حفظوا القرآن في السجن، وغيرها، ومثل هذه الأسباب تكمن أزمتنا في بيئة العقل التشريعي، والذي ما زال ينظر لبعض الجرائم من باب العرف والتقاليد، فالسرقة على سبيل المثال كانت ثقافة للعيش في البيئة الصحراوية، وما زالت تلك النظرة مهيمنة، واغتصاب الأطفال يدخل في المسكوت عنه في الأحكام، ويتم التعامل معه من خلال هذا الباب.
ولماذا تم اختزال قضايا الشرف والعفة في خطايا المرأة ولباسها وحشمتها، وهل لذلك علاقة بثقافة العيب، والذي يرى فيها لوحة شرف القبيلة والعائلة، وأن أي انتهاك لشرفها يعد انتهاكاً لشرف العائلة والقبيلة، بينما يدخل اغتصاب الأطفال القصّر في أحكام اللمم، ويعامل مثل أحكام المعاكسات والتفحيط، بينما هو جريمة نكراء بكل ما تعنيه هذه الكلمة..
عندما يتحدث الجميع عن ضرورة تقنين أو تنظيم أحكام الشريعة، فهم بذلك يطالبون بإخراجها من التأثيرات البيئية على العقل التشريعي، ولهذا نحن في حاجة لوضع النقاط على الحروف في مسألة تنظيم الشرع أو التشريعات، وإبعاد تأثير الانحياز والثقافة الشعبية عن أحكام القضاء من خلال تقنين التشريعات، وذلك لئلا يجد القاضي مخرجاً لتخفيف الأحكام على جرائم في غاية الفحش والفساد، والله المستعان.