د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** ليس مهمًا أن نكون قد ركلنا الكرة نحو المرمى المنافس كي نستطيع فهم اللعبة أو تحليل مجرياتها أو التيه بإنجازاتها، ويكفي أن يسجل من لا نعرفه وربما لا نألفه هدفًا ولو مشكوكًا فيه كي نرمي الوقار ونخترق السكون ونعلن أننا «الأمة» النادَويّة «نسبةً إلى النادي الذي تلتهب أكفُّنا وتُبح حناجرنا من التصفيق له».
** يبدو أن الهزائم المتوالية جعلت مفهوم «الأمة» يتدرج انحسارًا من التكوين الشمولي الكبير نحو البناء القومي فالقطري فالدُّويلي فالإقليمي فالكروي حين أصبح جمهور النادي الرياضي أمةً يُفتخر بانتصاراتها ويناح على هزائمها، وبدلًا من الانتماء إلى أمة واحدة - كما هي اشتراطات التاريخ والجغرافيا - يجوز التنقل بين الأمم الممثَّلة في أندية السبق، وهذه إيجابيةٌ لم يدركها منظرو سقوط أو تساقط الأمم.
** للشباب عذرهم فقد وُلدوا دون أن يجدوا أمةً تستحق الانتماء وافتقد معظمهم مشاعرَ آبائهم وأجدادهم الذين تغنوا بالعروبة والوَحدة والنهضة وعمرت مرجعياتِ بعضهم آياتٌ وأحاديث، ومرجعيات آخرين شعاراتٌ وأغنيات، ولكنهم لم يروا الأمة موحدةً ولا منتصرة، ولا تشاؤم هنا كما لا يأس هناك بل واقع قاسٍ لم ينكمش فيه يومُ الأمة ويضِل غدُها فحسب بل شمل اسمَها ووسمها اللذَين غابا في منافي التضاؤل.
** حل تبريري لمن تثاءب انتماؤه، تدميري لمن تسكن الأمةُ وعيه وسعيه؛ فبمقدار ما تحاول استنقاذ ذاكرتك من جراح القتل والتدمير والتهجير فإنك لن تنقذ ضميرك من أوزار الصمت والاتكاء على العجز والاكتفاء بالانتظار، وما صنعته وتصنعه أميركا وروسيا وإيران بأيديها وأيدي بني أبينا وعمنا في العراق وسوريا واليمن ولبنان عار في مفرق التأريخ، ولن ينجوَ من لعنته من قدموا مذهبيتهم أو تواروا خلف ضعفهم أو مالأُوا في سبيل مصالحهم وكراسيهم أو احتربوا من أجل أدلجاتهم متجاهلين نزف الثكالى ونواح الأيامى وانكسار الشيوخ والأطفال وانتهاك الأرض والعرض؛ فلمرجعية الولي الفقيه المكان الأعلى لدى بعض، ومن أجل صراع الوجود الآيديولوجي لدى آخرين تهيأ السهام، وقد تُختصر لدى الجيل الرياضي بتقاذف كرةٍ وصافرة حكم.
**لتكن الخاتمة إنشائية؛ إذ نأمل ألا نفقد مدلول الأمة عبر توظيفاتٍ هامشيةٍ؛ فلنكتئبْ مِن وضعها وضعتها وحاضرها ومَحاضرها لكن أجيالًا قادمةً ستمد الساحة والمساحة؛ فالراية التي رفعها الرجل الأعظم - عليه صلاة الله وتسليمه - لن تُطوى لأن حاكمًا أو حزبًا أو عدوًا شاء إسقاطها «فسيظهرها الله على الدين كله»، وستقاوم الأمة كلَّ الغزاة والعتاة ولن يحجبوا فجرها ولو طال ليلُها.
**قال نزار يومًا: «وليس السادات إلا مناما» ونقول معه: وليس مجرمو حلب والفلوجة وتعز وأسيادُهم وذيولُهم إلا عابرين غابرين.
** الكرةُ تدور فندور.