د.خالد بن صالح المنيف
لا شيء بعد توفيق الله في هذه الدنيا ورعايته وحفظه، يضاهي سلاح التفاؤل؛ فهو قيمة فكرية تولد بناء نفسيا متماسكا, وهو فضيلة أخلاقية تصنع شخصية سوية منتجة تصدر الفرح وتزرع الأمل. التفاؤل شعور جازم بتحسن الأمور وحضور الخير وهو يولد انفعالات إيجابية تحرض على السلوك الجيد وتقوى معه الإرادة وتتعاظم العزيمة. التفاؤل يعني انشراح القلب وتوقّع الخير, ويُعِين على إِدراك الهدف؛ وهو يجلب الطّمأنينة وسكون النّفس, وفيه اقتداء بسيد الخلق القائل «وأنا مبشّرهم إذا أيسوا», والقائل «سدّدوا وقاربوا، وأبشروا»؛ كما أَنَّه يحبب الناس لصاحبه ويحببه للناس كذلك, فالناس يحبّون من يبشّرهم ويستأنس بهم، ويكفي أن ضده هو الانهزام والسلبية واليأس وهولاء جماع الشر وكل واحد منهم يعطل الحياة ويدمر النفوس وأصاب حكيم كبد الحقيقة عندما وصف المتشائم بأَنَّه « مَيِّت الأحياء».
يقول محمد راتب: التفاؤل أن ترى ما عند الله، وأن تكون واثقاً بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك، التفاؤل أن ترى الهدف البعيد، فإذا حالت عقبات دونه وأنت مُصر عليه فأنت متفائل! وأظهرت دراسة علمية جديدة في كندا أن «المتفائلين» هم أكثر «حكمة» من «المتشائمين»، وأن المرارة تبعد الشخص عن الحكمة لأنه لا يستخلص الدروس.
يقول عالم النفس مارتن سيلجمان :»إنّ التفاؤل دفاع جيد ضد التعاسة، وإن التفاؤل يمكن أن يُتعلم»، والسؤال هو كيف نتعلم التفاؤل و نصل لتلك النفسية الراقية والوضعية الشعورية الجميلة؟ سأهديك خمسة أساليب ترفع من روحك المعنوية وتحسن من حالتك النفسية وتعينك على اكتساب جرعات تفاؤل وهي وسائل مجربة وجيم رون يقول «الشخصية ليست شيئا ولدت به ولا يمكن تغييره، مثل بصمة الأصابع. الشخصية هي شيء لم تولد به، وتتحمل المسؤولية كاملة لتشكليها كما تريد»:
1. يقول ما يكل دبليو: «قبل أن تتطلع إلى شفاء عقلك, عليك أولا أن تقيم جسدك»!
أثبتت الدراسات وجود علاقة وطيدة بين وضعك الجسدي وحالتك النفسية؛ فالمتشائمون يمشون مترهلي الأطراف وظهورهم بحدب متعمد وأيديهم مهدلة ورؤوسهم منحنية! أرفع رأسك، واصلب ظهرك، واجعل أكتافك سامقة وسترى الفارق الكبير في نفسيتك.
2. تحدث بنبرة السعيد الواثق المتفائل.
وسيلة علاجية معروفة مضمونها أن الإنسان أن أراد أن يتمثل وضعا أو طبعا؛ فليتصرف كما يتصرف اصحابها. إن أردت الثقة تصرف كما يتصرف الواثق، وإن أردت السعادة فاعمل كما يعمل الواثقون. إن أردت التفاؤل يكسو روحك وعقلك، فتحدث بلغة متفائلة دافئة واثقة. والبعض تعرف مدى ضيق نفسه وكربة روحه من لهجة صوته. جرب أن تتحدث بابتهاج وفرح، ستجد نتيجة مذهلة!
3. اعتن باللغة الإيجابية، فللكلمة أهمية قصوى في توجيه العقل وإعطاء الأوامر، اعتن بكلمات التفاؤل من قبيل (القادم أجمل- لعل في الأمر خير). وتجنب مفردات القلق والخوف والهزيمة والتراجع والمثل الصيني يقول إن أردت تعرف عقل أحد فانصت إلى كلامه. لاشك أن الفكر الكارثي و تكرار الحديث عن مخاوف الغد و مخاطر المستقبل تعطل وتكبل عن العمل، بينما الحديث السلبي عن الذات واسترجاع لحظات الإخفاق، يعظم من قابليتها للتدمير والتحطيم.
4. أقسر نفسك على الإيجابية.
راسلني أحدهم ذات يوم عاتبا, وقال: أنت تتفاءل لأنك لم تعان! وقلت له: ربما مر بي من المعاناة أضعاف ما لديك! لكن ليست هذه القضية, القضية ما هو حلك لتجاوز آلامك والتغلب على ظروفك؟ فهل نفعك النواح والشكوى؟ إن كانا سيغيران من حالك سأبكي وأنوح من أجلك! فاحتار وفقه الله ولم يجب! يقول ما يكل دينست: المتفائل ربما يرى بصيصاً من النور في شديد العتمة, ولكن العجيب أن المتشائم يركض نحو إطفائه!
من الأمور المعينة في مثل هذا، التقبل الإيجابي والرضا بما حدث ولا حيلة لك في تغييره ثم بعد هذا كف عن الشكوى تماما وركز على الحلول الممكنة ! التفاؤل يُمَكِّن الإِنسان مِنْ إِدارة أزمته بثقة وهدوء فيحصل الفرج بعد الشّدّة.
ومضة قلم:
إذا نظرت بعين التفاؤل إلى الوجود، لرأيت الجمال شائعاً في كل ذراته.