د. عبدالرحمن الشلاش
بداية الدعوة إلى الدين الإسلامي كانت عن طريق الرسول النبي الأمي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. كانت الدعوة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده صحابته رضوان الله عليهم وفق هذا المنهج العظيم . دعوة إلى اعتناق الدين والوصول بالمسلمين للمجتمع المثالي حيث الفرح بدخول الناس للدين عن قناعة تامة ودون فرض أو إكراه قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
كانت الدعوة الإسلامية لعبادة الله وحده دون سواه . لم تكن الدعوة لتقديس البشر فلا رهبانية في الدين , ولا تفاضل بين البشر إلا بالتقوى قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}, و لا تمايز بين الناس أجمعين إلا بالعمل الصالح, قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}. بهذا المنهج العظيم بنى المسلمون دولة عظيمة, وهذه الدولة انقسمت إلى دول إسلامية كثيرة بعد أفول شمس الدولة العباسية, ومع هذا أستمر صفوة من المسلمين في مسار الدعوة إلى الله على ضوء الآية الكريمة {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} فالحكمة وضع الشيء في محله, واللين في وقته, والتواضع في مكانه, والتضحية في وقتها, ومن يدعو منهم للفضيلة من الدعاة الحقيقيين يكون فاضلا في نفسه وسلوكه, فالداعية الحقيقي يتميز بأنه لا يخالف المدعوين إلى ما ينهاهم عنه. ينزه نفسه من أطماع الدنيا ومتاعها الزائل, همه في الحياة الدعوة إلى الدين, فأهل الدعوة إلى الله على بصيرة لا يدعون إلى أيديولوجيات خائبة أو إلى أحزاب, أو لتقديس شخصيات وكأنهم كهنة أو رهبان لا يصح إتباع الدين إلا بتقديسهم والتبرك بهم وأخذ فتواهم وكلامهم وكأنه وحي منزل , فهم ليسوا من أمثال من رد عليهم عبد الله بن عباس وعنفهم بقوله «يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء. أقول لكم قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر».
جاء في عصرنا الحاضر من حرف الدعوة عن مسارها من الدعوة إلى الله إلا من رحم الله إلى الدعوة للأحزاب والجماعات التي تكاثرت تحت غطاء الدين فيما تسمى بجماعات وأحزاب الإسلام السياسي , فمظاهر الشعارات الخارجية توهم الجماهير بأن هذه الجماعات الحزبية دينية بحته بينما أيديولوجياتها الواضحة والخفية هي المحرك الحقيقي, فكل الجماعات والأحزاب المتأسلمة في نهاية الأمر تلهث وراء السلطة ولا شيء آخر غير السلطة. تسخر كل جهودها لخدمة أهدافها السلطوية تحت ستار وغطاء الدين. تعقد ندوات ومحاضرات ظاهرها الدعوة بينما يطلب الولاء في النهاية للأحزاب ومرشديها وشيوخها حيث أضفت عليهم أثواب القداسة. اعتمدت في كثير من أفعالها على الأرض على العنف. أخطر هذه الأحزاب جماعة الإخوان التي أفرزت كثير من جماعات العنف والإرهاب ونشرت الأتباع في كثير من الدول تحت غطاء الدعوة إلى الله.