د. صالح بن سعد اللحيدان
من الصعوبة الحكم بين اثنين أو قل ثلاثة أو ما يكون أكثر من ذلك من صعوبة الحكم على عدم ستيفاء النظر في ذات القضية لا في ذات المدعي أو المدعى عليه فإن محط القول فيما يمكني قوله في ذات السياق أن أصل جلاء الحكم وسداده وكماله إنما يكمن كثيراً في الموهبة القضائية أو الموهبة الإدارية او الموهبة السياسية والقدرات الفذة في تحرير حقيقة الدعوى ونظرها بصرف النظر عن المدعي والمدعى عليه، ذلك أن بعض من له الحق قد لا يحسن التعبير في بيان من له الحق وبسبب هذا قد يسقط الحق عليه لا له، وهذه تحتاج هذه المسألة الى بسط مع طول التأمل المكين ولا بد لأن عدم إيصال الحقيقة بأدلتها وتعليلها وأدواتها إذا كان بسبب الرهبة أو التردد أو عدم إحسان التعبير وطرق الطرح البياني لماله من حق قد يجر الى تعالي الطرف الآخر فيخال ناظر القضية أياً كان ومن هي بين يديه أن ذلك الطرف ليس له صفة أو أنه يتردد في بذله له لصلافة وجرأة الطرف الآخر ومعرفته بأصول النظر دون حقيقة ذات القضية، فالزوج الضعيف مثلاً والإداري الضعيف والمسؤول الضعيف قد يكون وحيداً
او مريضاً او مهدداً بصورة من الصور أو يكون أهل الزوجة مثلاً قد استعدوا عليه بشيخهم أو كبيرهم فما لم يفطن ناظر القضية ويسأل من هنا وهناك ويتحقق ويدقق ما لم يكن كذلك فإن مثل هذا الزوج وسواه يقع فريسة.
ولهذا كانت الطمأنينة وسعة البال وتقليب النظر والاستشارة من لوازم الحكم ما في ذلك شك عندي وكثيراً ما وقع لي في بعض الحالات أن الامر قد تطلب طول النظر خاصةً إذا راودني شك في الخصم المقامة عليه الدعوى فهو لا يحسن التعبير أو هو يرتجف تردداً وخوفاً من هنا كنت أزداد إطلاعاً ونظراً ويحدوني الامل العريض أن أستشير فكنت أفعل ذلك دوماً والى اليوم بعد توسع مسؤوليتي.
وقد ينفع ما سرت عليه غيري فإنني من خلال نظري لكثير من القضايا الجنائية وسواها خاصةً في بعض الحالات التي اشك فيها أنظر حال الواقف أمامي بعد تفصح ودراسه لنظراته وحركاته وإشارته.
فكنت أقسم حال الجاني والجناية إلا ثلاثة:
أولا: المرض النفسي قبل الجناية .
ثانياً: المرض النفسي أثناء الجناية .
ثالثاً: المرض النفسي بعد حصول الجناية.
وقد افاد هذا كثيراً في تصور وتحديد الجناية قضائية او غيرها وكذلك نوعها وصفتها وحال الماثل امامي وكنت اناقش ابن جبير رحمه الله تعالى وهو من افضل من تولى رئاسة مجلس القضاء بعد الشيخ عبدالله بن حميد إذ انه كان على صفةٍ جيدة من قبول الاخر وعدم قطع الطريق عليه بل انه يرفع المعنوية ويؤيدها كثيراً وابن جبير حينما ذكرت له ذلك عام 1410 قال هذا بيت القصيد.
من اجل ذلك فإنني هنا سوف أذكر بعض الاسماء والألقاب والكنى التي تدور حالهم بين القضاء والفتياء واللغة ذلك حتى ندرك اهمي العقل بجانب النص الصحيح.
اولاً: الإسفراييني لا يكاد أحد من اهل صناعة البحث العلمي وتأصيل العلم القضائي او البحثي الا ويذكره الإسفراييني وقد شاع ذكره في الارض.
فمن يكن هذا ؟ إنه الامام المكنى بأبي بكر محمد بن أحمد بن عبدالوهاب أول طلب للعلم له كان سنة 350 هـ روى عن كبار العلماء وجالس الحفاظ وكبار القضاة والرواة في كل بلد يزورها طلباً للعلم .
وقد جمع الله له بين العقل السديد والنص الصحيح.
وكان كل ما حل بلدا لقيه اهلها بالترحاب والتقدير والإجلال.
ثانياً: ابن مردويه هذا الرجل ذكره جرى في المطولات وكتب الفروع في مجال القضاء واللغة والادب وعلم الرواية والدراية.
إنه الامام الحافظ الثقة المكنى بأبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه من اهل أصبهان كتب في التاريخ وكتب في الحديث وكتب في التفسير.
وكان ثقةً ثبتاً جليل المقام ترجم له كثيرون لمكانته ومنزلته ولما له من علم وما يتصف به من ورع وعفاف عاش بين فقر وضعف ولكن الله رفع مقامه.
ثالثاً: الإسماعيلي روى في القضاء والحديث والرواية والتفسير وقد أمه الناس راغبين إليه طلباً للعلم والرأي ومعرفة الآثار ولا يكاد يعرف هذا الامام الا بالإسماعيلي وإنما هو احمد بن ابراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني وهو رجل يميل الى الصمت ونبذ الجاه وكان يهرب من الشهرة لكن الله جل وعلى أعطاه إياه وقد ترجم له المترجمون تراجيم مختلفه وتنوعوا في حقيقة امر هذا الرجل وله فضل على هذه الأمة لما يمتاز به من عفاف وصدق.
رابعاً: سل من شئت من الناس حتى لعلك تسأل عوام طلاب العلم والمثقفين عن الطبراني فسوف يقولون لك أوه الامام معروف .
والطبراني له فضل على هذه الأمة بما صنفه في علم الرواية اوالدراية وما جمع بين الحفظ والفهم وثقل العقل وقوة الرأي المكين ويكفيه فخراً كتابه (المعجم الكبير والمعجم الاوسط والمعجم الصغير) ولست أظن أحداً يكتب في مجال الآثار قديمها إلى زمانه رحمه الله تعالى خاصةً في أساسيات الاحكام والمعاملات والقضاء والمواقع ا لا وهو بحاجة الى هذه المعاجم .
وهذا الإمام اسمه سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي ويكنى بأبي القاسم رحل الى اليمن ومصر وبغداد واصبهان والجزيرة شمال شرق سوريا وقال بن عبدالهادي في طبقات المحدثين حدث عن اكثر من ألف شيخ قلت وهذا صواب لما وقفت عليه من رواياته في المعجم.
من أجل ذلك فإنني لآمل على القضاة والعلماء والمثقفين وكتاب الآثار والباحثين عن المواضع لآمل منهم أي يقتنوا هذا المعجم فإنه سوف يختصر لهم مسالك الطرق ولا سيما ومعجمه قد حوى من الآثار والروايات والعلم مالا يسع أحدٌ تركه على توالي العهود .
يتبع