فوزية الجار الله
حين هممت بالكتابة وجدت سيلاً من الأفكار يحتل ذاكرتي بعضها بحاجة إلى مزيد من التأني والبحث وبعضها بسيط عابر يناسب أوقات المرح والاسترخاء، لكن بعضها يبدو مؤلماً، ملحاً لا يمكن تأجيله أو التغاضي عنه، من تلك المواضيع الهامة مقطع الفيديو الذي تضمن مجموعة من الطلبة المراهقين يسيئون لمعلمهم في الفصل من خلال إصدار أصوات وحركات غير لائقة تنبئ عن منتهى الاستهتار وعدم التهذيب والاحترام للمدرسة ولا للمعلم الذي بدا جالساً في مقدمة الفصل يتأملهم بلا حول ولا قوة، كان المقطع مؤلماً ومزعجاً جداً!
وقد بادرت وزارة التعليم بالتحقيق في الحادثة ومن ثم إصدار أمر بحرمانهم من الدراسة. ظاهر العقوبة ربما يكون مبهجاً للكثيرين حيث يعطيهم إحساساً بالحزم والقوة وأخذ الثأر للمعلم لاستعادة هيبته، لكن هل هذا هو الحل الأمثل لمثل هذه المشكلة؟ وهل هذا هو التصرف الأفضل مع مثل أولئك الطلاب؟!
مقطع الفيديو الشهير يطرح أسئلة متعددة، على سبيل المثال:
أولاً: ما الذي دفع أولئك الطلاب إلى الجرأة على القيام بما فعلوه دون خوف أو وضع اعتبار لمعلمهم ولا للمدرسة ولا لإدارتها؟
ثانياً: ما الذي جعلهم يتسمون بمثل هذه السلوكيات التي تدل على عدم الانضباط وعدم الاحترام للآخرين ممن يفترض أن لهم فضلاً بعد الله عليهم؟ ما هي خلفياتهم التربوية؟ كيف تبدو أحوال أسرهم؟ الأمر المؤكد أنهم لم ينالوا من التربية والتهذيب ما يردعهم عن مثل هذه السلوكيات؟!
وبناء عليه هل يعتبر فصلهم حلاً؟ إطلاقاً!! في رأيي هذا إجراء «سلبي»..
نعم الطلبة يستحقون العقاب لكنهم بحاجة ماسة إلى التهذيب والإصلاح تماماً كما هو العقاب.. مثل أولئك لن تجدي معهم العقوبة السلبية، هم يجهلون الانضباط ولا يؤمنون به ولا بأهميته ولذا فإن فصلهم يعني راحة لهم، مثل هذا الإجراء سيزيد انفلاتهم وعدم إحساسهم بالمسؤولية، سيذهبون إلى منازلهم ليقضوا أوقاتهم ما بين اللعب والنوم ومن ثم يخرجون إلى الشارع أو يلتقون فيما بينهم.. ربما يتأثر بعضهم ويبدأ بمحاسبة ذاته وهذا أمر احتمال حدوثه يبدو ضئيلاً، لكن لن يتأثروا جميعاً.
مثل أولئك بحاجة إلى برامج إصلاحية حتى وهم على مقاعد الدراسة من خلال إشغالهم بأعمال تفيدهم وتفيد مجتمعهم، من خلال إشراكهم ببعض الأنشطة التطوعية أو التوعوية وتكليفهم ببعض الأعمال بما يناسب قدراتهم على أن يتم ذلك تحت إشراف مختصين تربويين. هل فكرنا بذلك وهل يجد صدى لدى سادة العلم والإصلاح والتربية؟! آمل ذلك.